ميادة سفر
في العالم 1964 رفض الفيلسوف الوجودي الفرنسي جان بول ساتر قبول جائزة نول للآداب، قائلا «أنا أرفض صكوك الغفران التي تمنحها جائزة نوبل»، واصفاً الجائزة بمثابة «قبلة الموت».. وهو لا يريد أن يدفن حياً»، فهل حقاً كما رأى سارتر ان الجوائز تدفن المبدعين أحياء؟ أو ربما «تحيي عظام كتاب وهي رميم».! عبر الإضاءة على منتجهم؟! احتمالات كثيرة ومواقف متناقضة حول أحقية وجدوى الجوائز الأدبية.
جوائز موجودة وتتكاثر في غير بلد في العالم، وإن كان التعويل على أسماء محددة منها، مثل نوبل والمان بوكر والغونكور وغيرها.. هذا عالمياً، أما في الدول العربية لكل بلد جوائزه. وإنْ كانت البوكر العربية تحظى بالحضور الأقوى والتغطية الإعلامية الواسعة، وهي على أهميتها لا يمكن إنكار أنها لا تعدو استنساخاً من الغرب ومحاولة مجاراته في التقاليد الثقافية، لكن لابأس إن كانت هذه الجائزة أو تلك تقوم على أسس ثقافية وأدبية سليمة، تهدف لتشجيع الثقافة ودعم الكتاب ودور النشر.
لعلَّ رفض الجوائز لاسيما العالمية منها، أكثر إثارة من الجائزة بحد ذاتها، أسماء عدة يمكن الحديث أو الدلالة عليها لناحية الرفض، كحال سارتر كما أشرنا في البداية، وبرنارد شو الذي قال «إنني قد أغفر ل نوبل اختراعه للديناميت، لكنني لا أغفر له إنشاء جائزة نوبل، إني أكتب لمن يقرأ لا لأنال جوائز»، ومؤخراً حظي رفض الفيلسوف الألماني هابرماس لجائزة الشيخ زايد للكتاب بالكثير من التغطية وخصصت فقرات من البرامج الثقافية للحديث عنه، وتنوعت مواقف القراء والمثقفين بين مهلل ومؤيد له ولموقفه برفض الجائزة، معتبرين ذلك بمثابة وفاء وإخلاص لمسيرته الفكرية ونهجه التنويري، بينما انتقده آخرون وعابوا عليه رفضه الجائزة بعد أن كان قبلها.
لم ولن يكون هابرماس آخر المفكرين الذين سيرفضون جائزة أدبية بالغة ما بلغت قيمتها المادية والمعنوية، والتاريخ الأدبي حافل بالمواقف الصادرة عن كتاب رفضوا أية جائزة مهما كان مصدرها بموقف ثابت لم يتغير طيلة حياتهم، كما هو حال المفكر المغربي محمد عابد الجابري الذي بقي حتى آخر حياته رافضاً وممتنعاً عن قبول أي تكريم وجوائز من أية جهة كانت. رفض لا ينم عن تعالٍ، إنما عن قامة فكرية تحترم تاريخها ولا تقدمه مقابل حفنة من دولارات.
بالمقابل ثمة حالات أجبر فيها الكاتب على رفض الجائزة تحت ضغط السلطة، كحال الكاتب والشاعر الروسي بوريس باسترناك، ففي العام 1958 فازت روايته «دكتور جيفاكو» بجائزة نوبل للآداب، غير أنه اضطر بسبب الضغط الذي مورس عليه من قبل الاتحاد السوفييتي إلى رفضها، تلك الرواية التي منع نشرها بسبب مهاجمتها للاشتراكية وسياسة الدولة في ذلك الوقت.
على الرغم من الحراك الثقافي الذي تحدثه الجوائز في الوسط الثقافي، وتحفيزها القراء لمطالعة الأعمال الفائزة وتلك التي وصلت إلى المراتب المتقدمة، والإغراء المادي الكبير للأدباء والمفكرين، إلا أن لها خطورة لا يمكن تجاهلها، ومهما حاول البعض تلميعها وتنقيتها، إلا أنّ الشوائب القائمة على اعتبارات سياسية واجتماعية ونخبوية، فضلاً عن المصالح والتدخل في شؤون الدول الأخرى، لا يمكن إلا أخذها بالاعتبار، وإلا لماذا تلمع أسماء لا تستحق الذكر، مقابل طمس آخرين كانوا أجدر بالاحتفاء بما قدموه للفكر والإنسانية من مخزون. ولماذا تسحب جائزة من مفكر أو أديب بعد تغيير موقفه السياسي، أو انتقاده لنظام الحكم في الدولة المانحة.؟!
ثمة أسماء كبيرة وعظيمة لم تنل أية جائزة ولا حظيت بتكريم، لكنها بقيت لامعة رغم مرور مئات السنين، وهناك من أحرقت كتبهم وقتلوا وعذبوا، لكنّ فكرهم ما زال إلى اليوم محطّ اهتمام، فالجوائز على أهميتها لا يجب التعويل عليها كثيراً في ترقية مفكر هنا أو روائي هنا. يفضل أخذها من باب التشجيع الثقافي لا غير، من دون الاتكال عليها في تقييم العمل. ولندع للقارئ حريته في القبول أو الرفض.