خاربهي.. رائدة إنقاذ ضحايا الإتجار بالبشر في الهند

بانوراما 2021/06/30
...

 بالابي مونسي
 ترجمة: بهاء سلمان
كانت {إيلا سانغما} في بداية عقدها الثاني، تقيم في مأوى داخل نيودلهي حينما أبلغتها السلطات بقدوم أحدهم لإعادتها إلى شمال شرق الهند. {لقد ساورني الشك، فقد تم أخذي مسبقا بجولة مريبة}، تقول سانغما، التي باعتها والدتها إلى المتاجرين بالبشر عندما كانت طفلة وتم جلبها إلى العاصمة، حيث إرغمت على العمل في متجر خمور مرتبط بإحدى دور الدعارة. لكن كان هناك شيء ما يخص {حسينة خاربهي} جعل الفتاة الصغيرة تكسب ثقتها على الفور، فقد وافقت سانغما، التي تدعو خاربهي بـ {الأم}، على العودة إلى شمال شرق البلاد معها، وهي من بين أكثر من 72 ألف امراة وطفل كانوا ضحايا للاتجار بالبشر عبر الهند وماينمار وبنغلاديش والنيبال، ووجدوا أنفسهم الآن أحرارا بفضل ما فعلته خاربهي.
الأمر بالنسبة لخاربهي، 49 عاما، عبارة عن تعاطف شخصي مع كفاحها ضد الاتجار بالبشر البالغ حجمها 32 مليار دولار في الهند والدول المجاورة لها. وعندما وصلت إلى مدينة شيلونغ، عاصمة ولاية ميغالايا شمال شرق الهند، ذهبت إلى مبنى يضم مكتب خاربهي، لتستقبل بحفاوة، مرتدية الملابس الهندية التقليدية. كانت خاربهي مجرد فتاة يافعة بمرحلة الإعدادية حينما شرعت بدعم التنمية الاجتماعية للتجمعات السكانية المتعرّضة للخطر الاتجار بالبشر ضمن مناطق شمال شرق الهند. وتنتشر هذه التجارة في تلك المنطقة بسبب الحدود الواسعة المفتوحة مع النيبال وماينمار وبنغلاديش، علاوة على الفقر المدقع والصدامات المسلحة بين الأهالي والجيش الهندي. وخلال حرب سنة 1971، التي أسفرت عن ظهور دولة بنغلاديش، أسكن والد خاربهي العديد من اللاجئين داخل بيت مزرعة الأسرة.
تقول خاربهي متذكرة: {لقد ولدت في السنة التي توجب فيها على هؤلاء الناس العودة، غير أن القصص تبقى عالقة في ذهني. لقد فعل والدي ذلك لأنه إنسان، وليس لأنه عامل في منظمة اجتماعية، ولربما هذا ما أثر في داخلي؛ لأدرك ما يمكن فعله لبقية الناس}.
 
أعمال إنسانيَّة
وبينما كانت في المدرسة، بدأت بمتابعة أعمال الطبخ والتنظيف في دور المتقاعدين ومبرّات الأيتام. صارت تلك الأعمال الطوعية المبكرة شبكة لمنظمة {إمبلس} غير الحكومية. وقررت خاربهي الإلتحاق بكلية بمحاضرات صباحية فقط، ليتسنى لها المزيد من الوقت للعمل الإجتماعي. وبحلول العام 1993، كانت المنظمة مسجلة ضمن مبادرة سبل العيش الريفية المخصصة للنساء الحرفيات في منطقة تلال خاسي الشرقية بولاية ميغالايا.
وتغيّر توجه المبادرة بعد قرار المحكمة العليا الهندية بحظر قطع الأشجار شمال شرقي البلاد. وبينما إحتفل المحافظون، كان القرار بمثابة ضربة مدمرة للكثير من الحرفيات، وبضمنهن النسوة المقيمات في القرى المتاخمة للقرية التي تقيم فيها جدة خاربهي، فقد كن يعتمدن في معيشتهن على حياكة الخيوط المستخلصة من أشجار البامبو والقصب.
تقول خاربهي: {أرغم حظر موارد الغابات سكان الأرياف على العمل في المناطق الحضرية، فتسبب في النهاية بوقوع الكثيرين ضحايا للإتجار بالبشر. لقد وجدنا أطفالا يتم أخذهم من قبل مجنّدين يعدونهم بتوفير وظائف بمقابل مادي أفضل، ليتم استغلالهم في أعمال إجبارية، مثل خادمات منازل أو بائعات في أكشاك الشاي أو عمال مناجم أو الدعارة.}
قامت خاربهي بتوجيه المنظمة للتصدي للمشكلة المتصاعدة بشكل كبير، فأخذت سنة 2000 على عاتقها أول حالة للإتجار بالبشر بعد إنقاذ منظمة {بريرانا}، المتخذة من مومباي مقرا لها، ثلاث بنات جلبن من شمال شرق الهند للعمل قسرا في دور الدعارة بالمدينة.
كان التحدي الفوري للمنظمة هو كيفية العمل مع الحكومة، ولأجل ذلك، ظهرت الحاجة إلى تصرّف عملي. ذلك العمل تحوّل ليصير ما يطلق عليه حاليا إنموذج ميغالايا، أو إنموذج امبلس. ويركز نظام تعقّب الإتجار بالبشر على ستة نقاط، وهي: إصدار التقارير، والإنقاذ، وإعادة التأهيل، والعودة إلى الديار، وإعادة الإندماج، والتعويض، علاوة على ستة أشياء أخرى، هي: الشراكة، والوقاية، والحماية، وفرض القانون، والصحافة، والمتابعة القضائية.
 
اختصار الزمن
ويتعامل مركز المتابعة لخاربهي مع ألف منظمة غير حكومية ودوائر حكومية عبر جنوب وجنوب شرق آسيا، وبرعاية بريطانية. وبمقدور أي فرد إرسال تقرير عن أية حالة إلى مركز المتابعة، والذي سيربطها سريعا بالسلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية.
ومع الإنتهاء من تنفيذ عملية إنقاذ، يتعاون المركز مع دوائر الرعاية الإجتماعية والمنظمات غير الحكومية لتوفير مأوى ورعاية طبية وخطة بعيدة الأمد؛ ضامنا إما توفير تدريب مهني، أو إعادة الشخص إلى دياره، مع متابعة التأكد من تلقي الناجين تعويضات مالية.
أما {اجيليو نيوماي}، أستاذة علم الإجتماع في جامعة حيدراباد الباحثة في الإتجار بالبشر بمنطقة شمال شرق البلاد، فهي تعتقد جازمة أن ما يجعل إنموذج خاربهي مختلفا عن الآخرين عبر الهند هو عناصر العودة للديار والتعويض المادي، وتضيف قائلة: {تمكّنت امبلس من أخذ أنموذجها إلى المنبر العالمي بواسطة الإرتباط بمنظمات عبر جنوب آسيا، وأوروبا أيضا.} بيد أن نيوماي أشارت إلى وجود عوامل إقليمية لها ثقلها: {ما هو ممكن في تلال مناطق الشمال الشرقي يعد واقعا أكثر صعوبة من المناطق الحضرية لجنوب الهند، حيث لا ترحب عوائل الجنوب بعودة ضحايا الإتجار بالبشر؛ بالتالي هناك الكثير جدا من حالات إعادة الإتجار.}
تقول سانغما أن أفضل ما تقدمه خاربهي هو طريقة إصغائها للضحايا، وإستيعاب النتائج المستنبطة لتطوير النظام. وحينما صارت سانغما الناجي الوحيد في المحكمة ضد أحد المتاجرين بالبشر، كانت خاربهي دائما معها، تستقل الطائرة جيئة وذهابا بين ميغالايا ونيودلهي.
ظهرت سانغما في قاعة المحكمة لتبحث عن خاربهي، وطلبت شيئا بسيطا من أمها، وهو أن تركض بعيدا. وقد قامتا بذلك فعلا، راكضتين لمسافة أميال وأميال عبر شوارع نيودلهي، على أمل أن تشعر سانغما 
بالأمان.
 
مجلة اوزي الأميركية