تهمة التفاؤل

منصة 2021/06/30
...

قيس قاسم العجرش
تنقل الأخبار كل ما هو مؤلم جالب للنكد، هذا هو المعتاد، واعتاد أحد العاملين في دسك الأخبار قبل 15 سنة، أن يذخر قصّة فيها حبّة تفاؤل لنهاية نشرة 
الأخبار. 
ودائماً كنت أوفر له أسباب التعرّض للوم: يا أخي حرام عليك، على الأقل خليها في الوسط، تستكثر التفاؤل أن يكون من بين أهم الأخبار!.
وحدث أن مرّ بي ألمٌ في الظهر بمفاجئة لا تفاؤل فيها، وكنّا في بلد أجنبي غزير التفاؤل. 
وأول ما سألني الطبيب عنه هو حالتي النفسية ثم عن عملي. قلت له: إطمئن لا أعمل في مجال نقل الآثاث ولا توزيع قناني الغاز. 
لكنّه لم يكن متفائلاً حين قلت (صحفي!). فالصحافة (والكلام له) من أبرز مسببات الشد العصبي.
مهنة تلاحق الوقت والقلق، وتشتري وجع الرأس. فلن يكون ألم الظهر سوى نتيجة طبيعية بعد ذلك.
وبينما اعتاد صديقي أن ينقّب في الشبكة المعلوماتية عن صور الشوارد والنوادر، ليعيد لصقها مع عبارة (.. من الزمن الجميل)، لكن آخر صورة له استوقفتني.
كانت تحوي دراجة نارية في الشارع، على كل جنب منها (قزان) من الألمنيوم لجمع الحليب. بينما تركن سيارة رينو سبعينية وأخرى موسكوفج في الخلف.
وأطلقت عليه رشقة تحليلات من تلك التي يبرع فيها الصحفيون المتعاملون مع الصور. 
أنظر، الرينو هذه كانت بلا تبريد للركاب!، ولا أظن أن جو العراق كان نرويجياً قبل خمسين عاما. كما أن الحليب الذي يجمع في (قزان)، وعلى دراجة نارية، لن يكون سوى مائدة محتملة لنقل الأمراض، الآن سياراتنا فيها تبريد مُصقع، والحليب في عُلب معقمة وعليها تاريخ انتهاء الصلاحية، فهل مازلت تصرّ على أننا في الزمن القبيح، بينما كانت ملصقاتك كلها في الجزء الجميل من
 الزمان؟.
لم يجد الصديق كلمة غير أن يقول: إنك متفائل!. 
لكنه غلبني حين أطلقها بصيغة تهمة، أعترف أنه غلبني بالاتهام.