الآلات الكاتبة.. قصة آخر هندي يعمل في صيانتها

بانوراما 2021/07/03
...

  كريسيل دا سيلفا دياس
  ترجمة: ليندا أدور
عندما تصل شارعا الى ساو تومي، الذي لا يبعد عن مكتب البريد الرئيس، وسط مدينة باناجي، عاصمة ولاية غوا الهندية، تواجهك علامة خدمات التعبئة والتغليف. ففي هذا المتجر، ومقابل رسوم بسيطة، تغلف الطرود بقطعة من نسيج الموسلين الذي تمت خياطته بغرزات عالية الدقة، لأجل حماية محتوياته من الضرر أثناء نقله بالبريد.
بدأ ذلك كخط إضافي الى جانب العمل الرئيس للمتجر، لكنه الآن، صار مصدر الرزق الوحيد للويس فرانسيسكو ميغيل دي آبرو، الذي يكافح للحفاظ على آخر المتاجر المختصة بإصلاح الآلات الكاتبة في هذه الولاية. داخل المتجر، توجد العديد من الآلات الكاتبة، وقد اختلفت أنواع الصيانة التي تحتاجها، حتى بدت وكأنها قطع في متحف، فهناك ماركات هيرمس، وريمنغتون، وغودريج بريما، المصنعة في الشركة الهندية، التي تعد الأخيرة عالميا لتصنيع الآلات الكاتبة.
 
أربعة قرون من الحكم البرتغالي
يجلس آبرو (78 عاما)، على كرسيه وهو محاط بالأوراق وقطع الغيار والذكريات، فقد كان والده، دومينغوس آبرو، يعمل لدى شركة ريمنغتون راند، لصناعة الآلات الكاتبة الأميركية بولاية مومباي، قبل أن ينتقل الى غوا، سنة 1938، ويشرع من هناك بتأسيس شركته الخاصة لخدمات صيانة واصلاح الآلات الكاتبة. يقول آبرو: {كان أخي الكبير يرغب بدراسة الهندسة ولم تكن توجد مدارس أو كليات هنا، فكان عليه الذهاب الى البرتغال}، مضيفا {كان علي أن أحصل على علامات جيدة وأموال أيضا، كان بإمكاني أنا ايضا اللحاق به، لكنني فضلت أن ابقى هنا وأدرس وأساعد والدي بالمتجر}.
عندما افتتح آبرو، الأب، متجره، الذي يحمل اسمه، كانت غوا لا تزال تحت سيطرة البرتغال، بعد استعمارها للإقليم منذ سنة 1510، ليبقى تحت حكمها حتى العام 1961. {انتقلنا الى هنا، سنة 1953}، يقول آبرو مضيفا {آنذاك، لم يكن في المدينة سوى طريق واحد موحل للخيول وعربات الثيران، ومطعم واحد يبيع الرز والكاري والخضار، ولم يكن هناك سمك}. أما اليوم، فتبدو الولاية وجهة سياحية مزدحمة، فهناك مطعم عصري وقطع السمك بالكاري في كل شارع، وصور السيلفي التي يلتقطونها عند المداخل المزدانة بالألوان. 
 
العمود الفقري للبيروقراطية
بحلول أواخر العام 1961، غادرت غوا آخر سفينة محملة بأولئك الذي اختاروا العودة الى البرتغال، بعد أن ضمها الجيش الهندي لتصبح الولاية جزءا من الجمهورية. {سمعنا بخبر قدوم السفينة الحربية البرتغالية، وأن من يرغب بالعودة يمكنه ذلك} يقول آبرو مضيفا {لكني لم أرغب بالعودة، لم أرغب بترك ما بنيته هنا أو أن أترك والدي}. 
يقول آبرو إن المتجر كان صاخبا يضج ببيع واصلاح الآلات الكاتبة: {الكثير من شركات التعدين الكبرى كديمبوس وتشوكيولز، والدوائر الحكومية وحتى الجيش، كان الجميع يأتي إلينا، لكن الآن، كل الأعمال توقفت}. ذات يوم، كانت الآلات الكاتبة هي العمود الفقري للدوائر المكتبية في الهند الحديثة، بدءا من المكاتب الحكومية وحتى المحاكم، كانت رمزا للعصرنة في الهند المستقلة.
أفرزت مدارس الطباعة والكتابة المختزلة الى جانب مهارات استخدام لوحة مفاتيح الحاسوب، الآلاف من الخريجين المهيئين للعمل في مجال السكرتارية، بعضها لا يزال موجودا حتى الآن في المناطق الريفية. {أشعر وكأنه خطأ كبير ان يتم إغلاق تلك المعاهد}، يقول آبرو مضيفا {لو كانت بقيت مفتوحة، لاختلفت الأمور، ويقول الكثير من الناس أن أولادهم لا يجيدون الطباعة بسرعة، أو انهم يطبعون بإصبع واحد، فضلا عن غياب السرعة بالتأكيد}.
يدير ميلاغريس ديكوستا (70 عاما)، معهد ديكوستا التجاري بمدينة بوندا بولاية غوا منذ العام 1977، حيث يمنح دروسا في الاختزال والطباعة على الحاسوب والآلات الكاتبة اليدوية، رغم عدم وجود طلب على الأخيرة، اذ يقول: {لا أحد يرغب بتعلم العمل على الآلة الكاتبة حاليا}. 
 
لويس آبرو واحد
كانت العلامتان التجاريتان ريمنغتون وأوليفيتي هما الأكثر رواجا في الهند عندما نجحت شركة غودريج آند بويس بصنع أولى الآلات الكاتبة المحلية في الهند، منذ العام 1955 وحتى العام 2011، حيث ازداد انتشار واستخدام أجهزة الهاتف المحمول والحاسوب، التي أسهمت في إندثار هذه المهنة. 
ورغم قلة وجود آلات كاتبة جديدة وقطع الغيار الخاصة بها، لم تخمد حماسة أولئك الذين يعشقون صوت الضرب على مفاتيحها، اذ لا يزال آبرو يتلقى طلبات لإصلاح وصيانة الآلات، لاسيما ان تجارته شهدت ارتفاعا ملحوظا في عدد زبائنها، بعد رفع الحظر الصحي عن مدينة غوا. يشير آبرو في حديثه الى أن الجائحة كانت {نعمة ونقمة} لعمله، {فالكثير كانوا يهتمون بتنظيف آلاتهم أثناء الإغلاق}، وتقول ناتاشا، إبنة آبرو، التي تساعده في إدارة المتجر: {لدينا زبائن من مختلف أنحاء البلاد، والكثير من السياح يجلبون آلاتهم القديمة لإصلاحها والاحتفاظ بها كتحفة فنية}. 
صعوبة العثور على قطع الغيار، وتدهور صحة بصر آبرو، وغيرها من المشكلات الصحية التي يعاني منها، جعلت من تصليح الآلات الكاتبة عملية صعبة، عن ذلك تقول ناتاشا: {يمكنني القيام بإصلاحات بسيطة فقط كتغيير الشريط وتزييت أجزائها}. ولهذا السبب، اتجه آبرو وابنته الى تجارة تغليف الطرود، لتكون مصدر رزقهم الرئيس الآن، بالرغم من إدخال الكثير من القواعد والقوانين الجديدة عليها التي جعلتها أكثر تعقيدا من ناحية الإجراءات، لكن آبرو يعلق بأن: {المستقبل غير مؤكد، هناك لويس آبرو واحد، فكم من الوقت يمكن لشخص أن يدوم في عمله، وطالما كان الباب الرئيس مفتوحا، فإني أفضل المضي فيه حتى النهاية}.
 
*صحيفة الغارديان البريطانية