بين متعة القراءة وسطوة الصورة

منصة 2021/07/04
...

  ميادة سفر
على الرغم من أنّ الرواية دخلت ميدان التصوير السينمائي منذ كانت السينما صامتة، واستمر التعاون بينهما حاصداً الكثير من الجوائز، لكنْ بقي السؤال عالقاً في حلق كل قارئ ومشاهد.. أيهما أفضل الرواية أم الفيلم؟.. سؤال لن يجد جواباً، طالما للرواية جمهورها المتعصب لها، الراغب في إطلاق خياله ليرسم الشخصيات والأماكن من دون تدخل من مخرج وسيناريست وممثلين، هؤلاء المدمنون على ملامسة الصفحات ومداعبتها، يغضبهم أنْ يروا تفاصيل كثيرة من روايتهم الأثيرة حذفت بفعل فاعل، وأضيفت أخرى لا داعي لها.
 
أما عشاق السينما وروادها.. قد لا يعنيهم إنْ كان الفيلم أخذ عن رواية أم لا، وربما سارع البعض لقراءتها بدافع الفضول، غير مهتمين إلا بذلك المحتوى البصري المقدم لهم.
كثيرة هي الروايات العالميَّة التي تحولت إلى أفلامٍ سينمائيَّة زادت من شهرتها وحصدت عليها عدداً من الجوائز العالميَّة، من بينها على سبيل المثال.. رواية «ذهب مع الريح» للكاتبة مارغريت ميتشل، «العراب» للكاتب ماريو بوزو، آنا كارنيننا للروائي الكبير ليو تولستوي، وغيرها عشرات الروايات التي شوهدت في صالات السينما وأثلجت صدر كاتبها، ومنهم من صرخ «هذه ليست قصتي» كما حصل مع الأميركي أرنست هيمنغواي بعد عرض روايته «الشيخ والبحر» سينمائياً، أما عربياً فربما يكون الروائي المصري الحائز على جائزة نوبل للآداب من أكثر الكتاب الذين تحولت أعمالهم الأدبيَّة إلى أفلام سينمائيَّة أو مسلسلات تلفزيونيَّة لاقت رواجاً وقبولاً كبيرين من الجمهور والنقاد على حدٍ سواء، فضلاً عن «الخبز الحاف» للروائي المغربي محمد شكري، وأعمال كثيرة غيرها لا مجال لذكرها في هذا الحيز الضيق..
ربما عدَّ البعض سيناريو الفيلم المقتبس عن عمل أدبي، والتفاصيل التي يفرضها مخرج العمل بمثابة خيانة للنص الأصلي، لكنّ اختلاف أدوات وعناصر كل منها كما أسلفنا، والضرورات التقنيَّة للعمل المرئي تفرض تغييرات لا بُدّ منها، تغييرات رأى الروائي أمبرتو إيكو أنها محتومة، صاحب «اسم الوردة» التي تحولت إلى فيلم سينمائي، أدرك أنّ رواية من 500 صفحة لن تمر على كاتب النص الآخر من دون أنْ تمس، فلكي يتحول النص إلى صورة ربما يحيي الأحداث الهامشيَّة لتصبح عصب الفيلم، ويهمش أحداثاً جوهريَّة أراد الروائي أنْ تكون أساس روايته، كما حصل في فيلم «زوربا» المقتبس عن رواية نيكوس كازنتزاكي التي تحمل العنوان ذاته، هذا وفقاً 
لإيكو.
طالما أننا نعيش في عصر الصورة، فلمَ نفاجأ حين تتحول روايتنا المفضلة إلى أفلام؟. من الأفضل أنْ نفاجأ بتحول بعض الروائيين إلى كتاب سيناريو بحثاً عن المردود المادي الكبير الذي لن تقدمه لهم عدة روايات، في ظل عزوف وتراجع معدلات القراءة في العالم، وهنا لا بُدّ من التوقف.
أما بشأن الرواية أو القصة أو حتى المسرحية - كمسرحيات شكسبير- التي تحولت إلى أفلامٍ سينمائيَّة، يظلّ تقييمها وقبولها شأناً شخصياً، ولك عزيزي القارئ مواصلة التلذذ والاستمتاع بالقراءة ومقاومة سطوة الصورة إذا شئت، وإذا استعطت إلى ذلك 
سبيلاً.