شارع بوند ستريت.. كما يراه آخر قاطنيه

بانوراما 2021/07/04
...

 هارييت شيروود
 ترجمة: ليندا أدور
 
بعد أن جاور أغلى وأشهر العلامات التجارية العالمية مثل ديور وكارتييه وأسبري، يكشف «أولي كلاريج»، الساكن الوحيد الحقيقي في «بوند ستريت» أشهر شوارع لندن، عن شعور الإنسان بالعيش وسط مجموعة من فاحشي الثراء. من موقعه المميز عبر نافذته «المشربية» في شقته المطلة على بوند ستريت، حيث يبدو منظرا لا يضاهى، وهو يشاهد الأثرياء يتجولون، الكل مشغول بشأنه. ففي واحد من أفخم شوارع التسوق في لندن، تنفق سنويا أموال تقدر بمليار من الجنيهات الأسترلينية، لخيارات عدة من بينها شراء حقيبة يد بقيمة خمسة آلاف جنيه استرليني، أو دفع ثلاثة ملايين جنيه لشراء خاتم من الماس، أو ربما الدخول بمزايدة لشراء سيارة ميركوري كوغار، استخدمها جيمس بوند في أحد أفلامه. 
 
من اليد للفم
يشعر كلاريج بأنه جزء من هذا العالم لكنه بعيد عنه، إذ يقول: «أشعر بأنني حالة شاذة فيه، أقلل من روحية المكان». بعقد إيجار محمي ورثه عن والده، كلاريدج هو القاطن الأخير في هذا الشارع، يعيش وحيدا تحيط به واجهات لمتاجر فاخرة تعرض علامات تجارية مشهورة، «أشعر ببعض الوحدة، بشكل خاص في العام الماضي، فلم يكن يتواجد أناس هنا»، والحديث لكلاريج، الذي نشأ في قرية أسكتلندية، يعمل مصمم حدائق، ويصفه بأنه «عمل موسمي، يقف عند حد الكفاف، من اليد للفم»، وقد بدا مرتبكا ومستمتعا بالعالم، الذي يقف عند عتبة بابه، حرفيا، اذ يقول: «مع انتهاء إجراءات الإغلاق الأخير، كانت هناك طوابير تصطف خارج متجر تيفاني، ما أعنيه، هم يملكون كل تلك الأموال، ومع ذلك يقفون في طوابير في الشارع»، مضيفا «لا تحقق أي من متاجر الماركات العالمية اية أرباح تذكر من مبيعات متاجرها المنتشرة في الشارع لأن الإيجارات باهظة جدا، لكن، مع ذلك، عليهم البقاء هنا والاحتفاظ بعنوان لهم فيه».
في العام 2019، كان بوند ستريت، الذي يمتد ما بين شارع أوكسفورد حتى منطقة بيكاديللي، هو الأغلى في أوروبا في ما يخص إيجارات متاجر البيع بالمفرد، وثالث أغلى شارع في العالم بعد جادة كوزواي باي Causeway Bay في هونغ كونغ والجادة الخامسة Upper Fifth Avenue في نيويورك. 
 
مفتاح النجاح
يقول بيتر ميس، من شركة كوشمان وويكفيلد للاستشارات العقارية، بأن قيمة الشارع الاستثنائية تأتي «نتيجة لشهرته العالمية بين متاجر التجزئة الفاخرة، التي تدرك أهمية الاحتفاظ بوجود لها هنا، الى جانب أماكن أخرى مثل نيويورك وباريس وطوكيو..على أنه مفتاح النجاح».
في فيلم وثائقي تلفزيوني، حمل عنوان «بوند ستريت شارع المليار جنيه»، يقدم مايكل والدمان، المخرج والحائز على جائزة البافتا، لمحة عن كواليس هذا العالم من «البهرجة الفخمة والترف الطموح»، بقوله: «كنت مسرورا جدا أن أعثر على الساكن الوحيد، الرجل الذي لا حول له ولا قوة، كالسمكة خارج الماء، لأنه في حقيقة  الأمر ينتمي الى المكان الى حد ما من حيث التاريخ والشخصيات، لكنه منفصل عن عالم العلامات التجارية، فهو لا يشاركهم الرغبة في الترف، لكنه لا يشعر بالسخط منها، اذ يقول (يقصد به كلاريج) ببساطة: «ألا يبدو ذلك غريبا»». لم يشاهد كلاريدج الفيلم الوثائقي عند بثه، ويقول بأنه لن يشاهده.
انتقل كلاريج الى الشقة التي يقطنها الآن، والتي سبق وأن سكنها قبل نحو 20 عاما، جي بورغيس، عضو حلقة جواسيس كامبريدج سيئة السمعة، بعدها، في العام 2006، ورث عقد إيجارها عن والده بعد وفاته، «اعتدنا أن يكون لدينا جيران، لكن لم يعد الأمر كذلك الآن»، والكلام لكلاريج، اذ أقصت الأرقام الفلكية للملكيات العقارية في بوند ستريت الجميع، باستثناء أصحاب الأعمال التجارية والمكاتب الراقية. لم يتبق من مدة عقد إيجار الشقة سوى ست سنوات أخرى، لكنه لا يعرف أين سيسكن بعدها، يقول: «لا أستطيع تحمل العيش في مكان آخر».
 
سؤال أخلاقي
رغم التفاوتات المتفاقمة بالدخول، اذ تقدر نسبة زيادة ثروة فاحشي الثراء بنحو 25 بالمئة خلال فترة تفشي الجائحة، لا يبدي كلاريج رأيه في أشخاص ينفقون الآلاف من الجنيهات على العلامات التجارية للأزياء، او ربما مئات الآلاف على السيارات الفارهة، او حتى الملايين لشراء الماس، اذ يقول: «أخلاق الآخرين في أعمالهم، لكن هناك سؤالا أخلاقيا عن مقدار الضريبة التي تدفعها بعض من هذه الشركات لأن غالبيتها مسجلة في سويسرا، هم على درجة من الذكاء بأنهم يعرفون كيف يفعلون ذلك»، مضيفا «إن كنت على قدر من الثراء بأن تنفق أربعة آلاف جنيه استرليني لشراء حقيبة يد، فلا بد أن يكون لديك محاسب شاطر». يشير كلاريج بأن عدم المساواة والفقر لا يجتمعان، بقوله: «انت لا تراه في بوند ستريت، لكن على مبعدة أميال قليلة، هناك أطفال ليس لديهم ما يكفي من طعام». لدى سؤاله عن إن كان لديه بعض من الثروة التي يراها تتناثر هنا وهناك في بوند ستريت، ماذا سيفعل بها، أجاب كلاريج دون تردد: «سأشتري أرضا وأزرع الأشجار».