ذوالفقار يوسف
نقترب اكثر فاكثر، مع كل ما يمضي من الوقت نزداد تعلقاً والتصاقاً، باولئك الذين تمسكنا بهم وتمسكوا بنا، وعاصرونا باحوالنا المتقلبة، بمزاجنا، واحاديثنا واحداثنا اليومية التي نطلقها على منصات التواصل الاجتماعي: وفاة، دعوة لزفاف، مساعدة، او اجابة على سؤال، هم اقرب الينا ممن نعرفهم، الافتراضيون، اصدقاؤنا في مواقع التواصل الاجتماعي.
توسمنا بهم خيراً، ولكوننا وهم كان هدفنا صوب المثالية، احببنا بعضنا الاخر، واطلقنا عبارات المحبة والالفة المغلفة بالاعتزاز، وصاروا اقرب الينا من اولئك الذين بالقرب منا في الواقع، فالهاتف الذكي لا يفارق ايدينا طول اليوم، لذلك هم دائما معنا، نشاهدهم كما هم، ويشاهدوننا كما نحن، وما زلنا كذلك مفارقين اولئك الواقعيين.
فديتك
وحين يستمر التواصل، تلتزم معهم بعبارات لم تعهدها مع اصدقائك الواقعيين، وتتجنب كل مفردة سيئة قد تجعلك تخسر احدهم في تلك المواقع، هذا ما يفعله حسام فالح (33 عاماً)، فهو قد احترف التعليق لاصدقائه بمفردات جميلة تبعث في نفوسهم المحبة، اذ قال لنا: كانت نيتي في البداية اكتساب الاصدقاء الافتراضيين لزيادة عدد المتفاعلين في صفحتي الشخصية في الفيس بوك، الا اني بعد فترة صرت اقترب منهم، وعرفت اهتماماتهم واطباعهم وشخصياتهم، وذلك ما جعلني اعتز بهم اكثر من الواقعيين، لذلك فان عبارات المودة مثل (منور ضلعي، فديتك، رائع وكبير ... الخ) وغيرها من مفردات تجعلهم سعداء بمعرفتهم بي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك يجعلني افضلهم على اصدقائي الحقيقيين الذين يخلو حديثي معهم من هذه اللطافة والالفة.
مساعدات
وما أن تغيرت الازمان الا وتغيرت معها النفوس، فانعدام الثقة بات واضحا، فالازمات قادرة على تغييرها، اما أن يصل بنا الامر الى اهمال الحقيقي ومساعدة الافتراضي من الناس فهذا امر يدعو الى التساؤل، احمد كاظم (28 عاماً) له موقف غريب، اذ يقول: لي من اقاربي شخص يتصف بالقطيعة، فهو لا يصل الارحام، ولا يشارك في المناسبات، ولا يساعد المحتاج مهما طرق بابه، الا انني تفاجأت ذات يوم عندما رأيته قد كتب تعليقا لاحد منشورات اصدقائه في مواقع التواصل الاجتماعي الذي طلب المساعدة في التبرع بمبلغ مالي لاجراء عملية لابنه المريض، وسألته في احد الايام عن مدى معرفته به، ليفاجئني بانه قد عرفه فقط من (الانستغرام)، والاغرب من ذلك انه قد زار هذا الصديق في مناسبة عيد الفطر، لكنه لم يقم بذلك مع اخيه!.
طبيب افتراضي
الشابة غفران الغراوي (26 عاما) التي عانت في ايام دراستها الاعدادية، هي ايضا قد واجهها احد المواقف مع صديقتها الافتراضية، فتحدثنا وهي مبتسمة وتقول: لقد كان الامر غريبا، فعندما كنت اشارك في احد (الكروبات) الخاصة بالتعليم الالكتروني، دخلت على صفحتي الشخصية احدى الفتيات لتبعث رسالة استغاثة لي، تقول فيها بانها ستترك الدراسة بسبب الضغط النفسي الذي يسبق امتحانات البكالوريا، فقد يتحدد مصيرها بعد الامتحان، فسألتها ان كان ذووها هم السبب، فاجابت بالنفي وانهم يساعدونها ويوجهونها لتخطي هذه الازمة، الا انها لم تسمع منهم، وقررت انهاء العام الدراسي بعدم خوضها الامتحان، واستمرينا بالحديث لايام، وما ادهشني بعد اقناعي المتواصل لها انها ستمضي بدراستها وستخوض الامتحان، وان هذا القرار جاء بسبب وجودي كصديقة مساندة لها، انني علمت عبر رسالة بعثتها لي بانها قد حققت معدلا يجعلها تدخل كلية الهندسة، المضحك في الامر انني دخلت كلية الادارة والاقتصاد بسبب معدلي المتدني.
مشاعر الكترونية
ويلتفت (م. س) يمينا ويسارا خوفا من مجيء زوجته ومعرفة ما يفعل، انه الوقت الذي يطيب له قضاؤه في الدردشة مع احدى الفتيات التي تعرف اليها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فيغمرها بكلماته العذبة، ورومانسيته التي تعلمها من اغاني الحب والعشق التي سمعها في مراهقته، وتغيب الزوجة كلما صار لقاؤه الافتراضي مع تلك الفتاة، كيف لا وحديثهما يخلو من الطلبات والنزاعات الزوجية والروتين القاتل، انه الحديث المريح الذي يتمناه كل انسان، والكلام الذي تطرب له المسامع، لكن (م) لم يرها حتى الآن، الا ان علاقتهما نضجت بسبب الترابط الروحي بينهما، كأنه يعرفها منذ الامد، هذا ما جعله يتعلق بهذه الفتاة، ولم يستمر هذا الحال الا لفترة معينة، عندما فعلت الغيرة فعلتها، فالزوجة هي نفسها الحبيبة الافتراضية وقد اصابتها الغيرة من نفسها على زوجها لتطلق صيحاتها بوجهه (لعد ليش ما تحجيلي مثل ما تحجيلها).