طوق الحمامة لابن حزم.. قراءة ثقافيَّة

منصة 2021/07/07
...

د.عبد الخالق حسن
 
حين نقلِّب مكتبتنا التراثية سنجد أمراً مهماً كان علامةً مميزةً لدى الكتاب العرب القدامى بمختلف توجهاتهم، هذا الأمر هو الشمولية والموسوعية في التأليف.
القضية هنا لا تعني غياب التخصص مثلما نعرفه اليوم، لكنَّ طبيعة العصر وثقافته كانت تتطلب أن يكون الكاتب بارعاً في كلِّ صنوف المعرفة حتى يكون لائقاً أولاً للتصدي للمناصب، وثانياً فإنَّ التحولات الحضارية التي شهدها العرب خاصة والمسلمون عموماً، بعد مرحلة التدوين التي جاءت بعد قرون من الشفاهية، كانت تغري بالخوض في مختلف اتجاهات العلم، فترى الكاتب سواء أكان فقيهاً أم أديباً أم عالماً طبيعياً وقد أخذ بمفاتيح أبواب المعارف ليكتشف ما فيها، ثم لاحقاً يترك انطباعاته عنها بما يكتبه.
ومن بين الحقول التي ترك فيها الكتَّاب آثاراً مهمة هو حقل المحرَّمات الاجتماعية، أو ما يمكن أنَّ نسميه اليوم الأدب الإباحي الذي لم يجدوا فيه حرجاً حينها، حتى أنَّ القارئ لَيعجبُ من مساحة الحرية الممنوحة حينها للكتَّابِ.
هناك أيضاً حقلٌ آخرَ كان أخفَّ وطأة وأقلَّ إباحية وهو حقل حكايات الحب والعشق التي كُتِب فيها الكثير، ولعلَّ أبرز هذه الآثار هو كتاب (طوق الحمامة في الأُلفةِ والأُّلاف)لابن حزم الظاهري الأندلسي(٤٥٦ هجري).
كان ابن حزم وزيراً وفقيهاً بارعاً وفيلسوفاً وأديباً وناقداً، خاض الكثير من المعارك الفكرية التي انتهت بحرق كتبه بعد منازلات خاضها مع فقهاء المالكية.
ما يهمني هنا هو فكرة تأليف ابن حزم لكتاب طوق الحمامة الذي قال إنها جاءت بناء على طلب صديق له أراد منه أن يكتب في الحب ومنازله، وهذا الأمر، أي سبب تأليف الكتاب، هو محلُّ شكٍّ لديَّ، بناء على ظروف نشأة ابن حزم.
مبعث الشك الأول يأتي من سيرة وسلوك ابن حزم الذي نشأ وتربى على يد جواري قصر أبيه الذي كان وزيرا للمنصور بن أبي عامر المستشار والقائد الفعلي في زمن المؤيد بالله الذي كان خليفةً في الأندلس، بما يعني أنَّ ابن حزم قد نشأ نشأةً ناعمةً ربما يكون قد مال معها إلى أن تغلب عليه الأنوثة بسبب معاشرته للنساء والتطبع بسلوكهن وهو أمر غريب حقاً، فالتاريخ يصمت عن سبب قيام أهله بتركه بين الجواري مع أنَّ الصبيان حينها كانوا يُترَكون بين أيدي المؤدبين من الرجال لتعليمهم.
يغلب لديَّ الظنُّ هنا أنَّ ابن حزم قد كتب (طوق الحمامة) حتى يبعد عن نفسه تهمة الميوعة والتخلص من ماضيه الخاص بتربيته بين النساء.
ما يدعم هذا الأمر لديَّ أنَّ ابن حزم لم يتزوج أبداً وهو الوزير ابن الوزير والفقيه، ومعروف أنَّ قضية الزواج هي قضية اجتماعية ودينية لا يمكن تركها إلَّا لعلِّةٍ أو موقف فكري، فأبو العلاء المعري تركها بسبب موقفه من الوجود الذي صرَّح به علانيةً، لكنَّ ابن حزم لم يصرِّح بأسباب عزوفه عن الزواج التي ربما تكون راجعةً إلى ما تحدثنا به عن اختلال في الذكورة بسبب نشأته بين جواري القصر.
إنَّنا هنا لسنا في وارد الطعن بشخص ابن حزم بقدر ما نحاول أن نقرأ الموضوع قراءة نفسية وثقافية لأسباب تأليف أحد أهم كتب التراث الخاصة بتفسير مواقف الحب وأسبابه، والباب مفتوحٌ طبعاً لمن قد يقرأ الأمر من جوانب أخرى قد تنفي ما أثبتناه على عجالة هنا.