سطوة الصحافة على الوعي الأدبي

منصة 2021/07/07
...

 ضحى عبدالرؤوف المل
اكتسب فيروس كورونا وجوداً، فرض على الثقافة الأدبية كمونا أنجب مخاوف، قاومتها النخبة الأدبية بالاستمرار في الكتابة، رغم تقليص عدد الصفحات في الجرائد التي كان تغزو صفحاتها المواضيع الأدبية والفكرية الغنية من حيث الفن وعلم الاجتماع وغيره، ومن ثم اختفت بعض الجرائد الورقية واستمرت الأخرى التي ترتكز على أسس ثابتة، بل وتطورت الكترونيا لتستقطب الكثير من الأقلام التي تكتب في الثقافة والأدب والفن
 فالفيروس الكوروني لم يمثل تهديدات قوية لاصحاب الأقلام النخبوية في الأدب بقدر ما كانت الخطورة هي انحسار الصفحات الثقافية والأدبية خاصة على حساب الخبر السريع والاخبار السياسية، بعد أن كانت الكتابة الأدبية في القرن الماضي تحاكي مشكلات القرن، وتشارك جنباً إلى جنب المقالات السياسية والاجتماعية معاً، فتنتقد ما تنتقده قبل أن تلتف على ذاتها، وتكثر لغة النقد الأدبي، وكأن الأدب تقوقع على ذاته واكتفى بالنقد الذاتي للكتاب فيما بينهم، بينما استطاعت الصحافة في القرون الماضية أن تشكل صحوة كبيرة للادب والادباء، وتشارك جنباً الى جنب مع الوسائل الاعلامية في تسليط الضوء على اهمية الادب في حياة الشعوب بعد أن شهدنا على تطوير التقنيات كالطباعة والنشر، وولادة الكثير من المجلات الأدبية والفكرية التي بدأت تنحسر الآن تحت وقع الأزمة الاقتصادية التي اختزلت الورقي وكتاب الأدب معا، فهل كتاب الأدب في منافسة مع الذات أم أن هذه الظاهرة التي تفشت في الدول العربية ستقضي على كتاب الأدب تدريجياً؟ وأين هي سطوة الصحافة التي نشرت الوعي الأدبي في القرن الماضي؟.
من المراسل المتجول إلى الخبر السريع الذي بات يفتقد البريق الأدبي، وصولا إلى اختفاء كتاب الريبورتاج ووصولهم الى ما وراء الجدران بعيداً عن ارضاء اصحاب المصالح السياسية والاجتماعية، الذين استمتعنا بالكثير من كتاباتهم الغنية بالمعاني الأدبية، والتي كانت أشبه بمسلسل مرن يستفز العاطفة، ويمنح العقل شرارات الحلول، لانهم استطاعوا وضع عين القلم على لب المشكلة بأمانة بعيداً عن الكثير من التفاهات التي نحصدها اليوم. فهل من صحوة للأدب بعد أن انحسرت الصفحات الثقافية في الكثير من المجلات في العالم العربي؟ وهل من صحوة لكتاب الأدب الكترونياً ؟ وأين هي شعلة الفلاسفة الكبار في الوطن العربي؟.
تُشكل الصفحة الثقافية في اي جريدة او مجلة وعيا اضافيا للقارئ، لأنها تلبي احتياجات النفس للترفيه بعيداً عن المواضيع ذات الوظيفة السياسية، اذ يضع الكاتب الأدبي بشكل خاص اصبعه على الجرح من خلال قصة او قراءة قصيدة أو رؤية فنية لمشاهدة الحياة بمنظار ايجابي متنوع من فن الرسم الى عالم المسرح والأفلام الى دقة في التقرير الفني الذي يلخص الكثير من المواضيع التي تعالج مشكلات الحياة، وصولا إلى التساؤلات الأدبية عن روايات انطلقت، يضعها الكاتب تحت المجهر، ليقبل عليها القارئ متكيفا مع الملخصات التي قرأها في جريدة ما او مجلة تهتم بالخبر غير المسبوق عن رواية ما او كاتب ما، فهل اسهم التطور غير المسبوق للصحافة العربية بانتشار الوعي الأدبي في القرن الماضي؟ وهل نشهد حاليا انحسارات لكتاب الادب والفكر في الصحافة؟ وهل سيكتفي الأديب او المؤلف او الكاتب بالكتاب ويهجر الصحافة؟.
إن الحديث عن سطوة الوعي الأدبي من خلال الصحافة لهو تأكيد على أهميتها بالرغم من انحسارها ورقيا، ولكن مع الحذر الشديد من الاقتراب من الدعم الاقتصادي الذي تسبب بانهيار الكثير من الجرائد والمجلات، والتي كانت تعتمد بشكل كلي على الشق الاعلاني الاقتصادي بعيداً عن اهمية الأدب الذي تمت التضحية به من اجل اعلان ما او من أجل خبر اعلامي ما،  فمتى سنشاهد مقالا أدبياً في الصفحات الأولى، وضمن منافسات لمقالات سياسية اصبح كتابها من اصحاب القلم الأكثر رواجا عند قراء يبحثون عن خبر يفتشون بين كلماته عن حلول لازمات معيشتهم، من تأثيرات قوة الفعل المعيشي على الواقع المر الذي يضرب بشراسة خاصة بعد اصابتنا بفيروس قاتل حصد الكثير من الأرواح، وجعلنا نبتعد عن الأدب والقضايا الفكرية، ونلجأ الى الخبر السريع، فهل ما زالت الكلمة تجسد قوة كبرى لتضرب من جديد على المشكلات في الادب تحديداً؟.