الجائحة تُعقّد النظام القضائي في كشمير

بانوراما 2021/07/07
...

 
كانت أسرة {شهيدة جان} بجانبها، لكنها شعرت بالوحدة خلال الأيام التي سبقت دق الموت لبابها، فقد كانت تعاني من ارتفاع ضغط الدم منذ أن تم اعتقال ولدها الأصغر، {جافيد خان}، من قبل شرطة كشمير في أيلول 2019، {كانت تسأل فقط عنه طوال اليوم، وظلت تسألني متى سيعود جافيد إلى البيت؟ أنا أريد رؤيته لمرة واحدة فقط}، يقول أمير شقيق جافيد.
توفيت هذه السيدة ذات صباح شديد البرودة في أحد أيام تشرين الثاني 2020، ولم تتحقق أمنيتها، رأت شهيدة ابنها آخر مرة مطلع آذار 2020، قبل عشرة أيام من تطبيق نظام إغلاق تام صارم بسبب فيروس كورونا حظر الزيارات للسجون عبر الهند بأسرها.
 
 ياشراج شارما
 ترجمة: بهاء سلمان
قبل الإغلاق، أدرجت قضية جافيد لجلسة استماع أخيرة، وشأنها شأن أجزاء أخرى من الهند والعالم، أجبرت الجائحة المحاكم على العمل من خلال شبكة الانترنت.
لكن القيود القاسية المفروضة على وسائل الدخول إلى الانترنت داخل كشمير، منذ فرض الهند سيطرتها بالقوة على المنطقة في آب 2019، قد أدت إلى تعقيد أوضاع النظام القضائي في الإقليم أكثر من أية منطقة هندية بسبب ضعف خدمة الانترنت. بالتالي، عملت كورونا، التي حصدت أرواح مئات الآلاف في العالم، أيضا على توجيه ضربة موجعة للعمل القضائي في كشمير، الذي يعاني مسبقا من تعقيدات كثيرة.
جامو وكشمير، هي الولاية الهندية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة وقد جردت من نظام الحكم الذاتي والاستقلال سنة 2019، وكانت قد صارعت لفترات طويلة من خروق حقوق الإنسان، وذهب الكثيرون ضحايا صدامات شرسة بين القوات الأمنية والمتمرّدين. وبعد تغيير وضع الولاية سنة 2019، احتجزت نيودلهي أكثر من 7300 فرد وفقا لنظام {الحبس الاحتياطي}، حتى قبل ارتكابهم لأية مخالفة قانونية.
 
سجون مكتظة
ومع تسبب الإغلاق المفروض بتوقف تام لمحاكم كشمير، ارتفع عدد السجناء في سجون الولاية الذين ينتظرون إجراء محاكمة إلى عشرين بالمئة، من نحو ثلاثة آلاف سنة 2019، إلى أكثر من 3700 فرد حاليا. بالمجمل، ولا يزال على تسعين بالمئة من سجناء كشمير مواجهة المحاكمة، بزيادة قدرها عشرين بالمئة من المعدل الوطني للسجناء. ووسط هذه المعاناة تبدو الأسر المبتلاة، مثل أسرة جافيد، مجبرة على إخفاء أخبارهم الحزينة، ولم يبلغوه حتى الآن بوفاة والدته: {أنا خائف، حيث فقدنا أمنا، والآن إذا مر بنوبة غضب، لا نريد فقدان شقيقنا}.
حتى قبل الجائحة، كانت قضية جافيد تعد رمزية للصبغة المؤلمة للوضع القضائي في كشمير. سنة 2018، وجهت الشرطة اتهاما له بإرتباطه مع المتمردين، إلا أن سراحه أطلق بكفالة وفقا لقرار محكمة جنائية. بعد ذلك، اتهمته السلطات بتعريض السلامة العامة للخطر؛ لكن محكمة عليا أبطلت تلك التهم، متهمة السلطات بعدم تطبيق الأمور بشكل لائق. بيد أن الشاب اليافع واجه لاحقا تلك الاتهامات مجددا، هذه المرة على خلفية تغيّر وضع كشمير سنة 2019، بدعوى منعه من إعاقة {الأمن}.
ومع اعتقال نيودلهي للمزيد من الكشميريين، تقوم المحاكم بإدانة أعداد أقل من المتهمين. يقول {شفقت نازير}، المحامي الناشط بحقوق الإنسان داخل المحكمة العليا لجامو وكشمير، إن فرص إقامة محاكمة عادلة ضعيفة، ويشير إلى أن المشكلة هي أعمق من فقدان وسيلة وصول إلى الانترنت، فالمحاكم، وخصوصا في القضايا المتعلقة بالتمرّد المسلّح، تطالب بحضور نسخ مادية أصلية لجميع السجلات أمامها، لكن دور القضاء حاليا مغلقة منذ سنة بسبب الجائحة، وبتعذر تقديم تلك السجلات، يقبع من الموقوفون في السجن كل هذه الفترة، بحسب نازير.
 
تحوّلات سياسية
ولعب التغيير في مقدرات السلطة، حيث تحكم كشمير حاليا وبشكل مباشر من قبل نيودلهي كمنطقة اتحادية الإدارة، دورا أيضا في سلوك القضاء، بحسب القاضي المتقاعد {حسنين مسعودي}، وحاليا نائب في البرلمان، ويضيف: {النظام القضائي بات الآن جامدا، ومع ندرة عمل المحاكم بسبب وباء الكورونا، تستغل شرطة كشمير القوانين لتسرف في عقوبات ما قبل المحاكمة}.
وبالنسبة لمحامين من أمثال نازير، تقوّض هذه الأزمة مهنتهم. يقول نازير: {كمحامٍ، أشعر بإحراج من مواجهة موكلي، فلم أستطع حتى توفير محاكمة عادلة له لأكثر من سنة}. وهناك بعض الأمل يلوح في الأفق، مع إصدار رئيس قضاة المحكمة العليا لجامو وكشمير مؤخرا لقرار يطالب فيه بإعادة العمل بجلسات الإستماع. لكن التفاؤل قليل، فقد بقي أمير، شقيق جافيد، يتنقل بين مكان وآخر لاجل إطلاق سراح أخيه. وعندما لم يتصل به مشاوره القانوني، ربما لأنه لا يملك تفسيرا لتأخيرات المحاكمة، ذهب أمير إلى منزل المحامي بحثا عن إجابة.
ويتحدث أمير مع شقيقه كل أسبوع مرة: {طرح علي تساؤلات في الاتصال الاخير ماذا فعلت بخصوص قضيتي؟ ماذا تقول المحكمة؟}، ويضطر أمير للكذب بأن مسألة إطلاق سراحه وشيكة الحدوث.
يقول أمير: {ما هو العمل الآن؟ إنه شاب صغير ومثقف؛ وحتى لو ارتكب خطأ ما، فقد بقي في السجن ما يكفي لذلك. نحن لا نطلب غير محاكمة عادلة، وهو نداء تتوجه به الأسرة منذ سنتين. لقد كنا نحضّر لزواجه، أما الآن، فكل شيء انتهى، فكل مرة نذهب فيها إلى المحكمة نعود خائبين}.
 
مجلة اوزي الأميركية