نبضات سها الملائكة

منصة 2021/07/07
...

 هدى عبد الحر
هي (نبضات قلب) شاءت صاحبته أنْ تتركه من دون أل التعريف (نكرة) لكنه معرّف بالمحبة والوفاء. وهذه ال (نبضات) هي لسليلة عائلة لا تحتاج إلى تعريف، عائلة كان الإبداع همّها الوحيد، فقد اشتهر منها كثير من الأعلام، لذا أزعم أنها عمدت أنْ (تُنكر) قلبها كي تهب نبضها تعريفاً من نوعٍ آخر.
(نبضات قلب) هو شذرات من فكر سها الملائكة في طبعته الأولى الصادرة هذه السنة 2021 بـ (104) صفحات من القطع المتوسط عن دار عدنان للنشر والتوزيع، وقد وصلني الكتاب عبر البريد بعد انتظار لم يدم طويلاً، فقرأته فور وصوله.
في هذا الكتاب قطفت لنا المؤلفة من بساتين الفكر وردة ومن جريان نهر الأيام ذكرى ومن مناهل الفكر خاطرة معبرة، ومن سير الزمن قصة قصيرة، فضلاً عن الاقتباسات من قصيدة لشاعر أو شاعرة.
استهلت الكاتبة أولى وريقات (نبضات) بحديث عن الجمال قائلة:
(الجمال صدى يمر عبر الروح فلا صدى لأي جمال ما دامت الروح حزينة مكتئبة وكذلك الألوان فلا تبدو زاهية إلاّ في حالات الاسترخاء النفسي والذهني يشدني جمال الحروف فأتأملها).
وتعرج على ذكريات قديمة فتطرّز نصوصها بأبيات للشاعرة أم نزار الملائكة (1909 - 1953) والدتها:
حذار يا قوم والأهواء طاغية والظلم يسعى بأنياب واظفار
حذار يا قوم أنَّ العدل منصرع تهزه كفّ أفاق وجزار
ثم تأخذنا إلى قصصٍ في الوفاء: فتروي قصة وفاء جدها الحاج جعفر جواد وحزنه على رحيل أم نزار، إذ لم يعش بعدها إلاّ أربعين يوماً مردّداً بيت الشاعر أبو فراس الحمداني: (وفي الليلة الظلماء يفتقد البدرُ)
وتختم قصة الوفاء هذه بجملة تراها هي مبدأ في حياتها: (الأخلاق أهم من القانون! ذلك هو مبدئي الذي أسير عليه في الحياة).
وتستذكر الكاتبة ذكريات طير كناري وصوت مطربة مصرية (نادية مصطفى) في أغنيتها (سلامات) وكيف كان يملأ صوتها تلك الدار وتربط ذلك بذكرى القطة التي اغتالت من النافذة ذلك الكناري وصوته العذب الذي بقي زمناً طويلاً وهو يشدو.
كما تظهر في الذكريات المرحومة (شرقية الراوي) فتتحدث عنها: (الرحمة والمغفرة لصديقتي الإعلامية شرقية الراوي التي تركت بصمة بارزة في عالم الصحافة والأدب من خلال منتداها الأدبي الذي كانت تقيمه شهرياً في منزلها في حي البنوك ببغداد وتحضره نخبة رائعة من أدباء وكتاب العراق).
كما توجز الكاتبة لنا موقفاً مميزاً من حياة شقيقتها نازك الملائكة (1923 - 2007) في الذكرى العبقة لولادتها:
(يروى أنها كانت في الصف الأول ابتدائي حضرت الحصة الأولى في الصف الأول غير أنَّ معلمتها حين عادت إلى الصف الأول لم تجدها في مكانها بحثت عنها فوجدتها في الصف الثالث جالسة وهي تستمع باهتمام لدرس المعلمة.. وعندما تكررت الحالة عقدت المدرسة اجتماعاً استدعيت فيه التلميذة وخضعت لاختبار دقيق في إجاباتها أنها في مستوى يفوق طلبة الصف الأول فقررت تجاوز النظام والقفز بالتلميذة إلى الصف الثالث).
كما تنقل لنا الكاتبة في مذكراتها ما كتبته نازك عنها: (هي سها سابعة أبناء صادق جعفر الملائكة وسلمى عبد الرزاق الملائكة وينتهي نسبها إلى النعمان بن منذر من العرب العاربة الذين كانت اليمن بلادهم الأصلية والآن هي صبية طويلة القامة نحيفة الجسم بيضاء البشرة سوداء العينين والشعر وفي وجهها جمال ملائكي بريء.. أما خلقها فحدث عنه ولا حرج فهي حساسة رقيقة كريمة الشمائل نبيلة المشاعر تتحدث إليها فتأسرك بنظرتها وذكائها وتشعر أنك مضطر الى أنْ تحبها وهي فتاة خجول مسماح مبسام قلما تعبس ماكرة وقادرة على إضحاك السامعين وقد وهبها الله مواهب مدهشة فهي تنظم الشعر على طفولتها وتقبل على حفظه بصورة مدهشة وهي تحب الموسيقى جداً وتحفظ كثيراً من الأغاني بسرعة مدهشة).
وفي موضع آخر تؤرخ لوفاة أختها لبنى: (رحمك الله يا لبنى أيتها الحبيبة الغالية وأنار قبرك وأدخلك فردوسه العالي).
وتمتاز هذه النبضات بالحنين الدائم إلى المكان فنرى ذلك واضحاً في سردها النستلوجي: (منذ الطفولة والكرادة الشرقية وشارع أبو الاقلام أقبل أعتابك وأحيي فيك من سكنوك ثم غابوا ال الملائكة الكرام).
يسرد لنا كتاب (نبضات قلب) موجزاً لأسرة ال الملائكة ونبضة من نبضات قلوبهم ببساطة وعفوية وكأنه قطعة من حياة وومضة من تأريخ.