غفران حداد
وأنا أشاهد ما فاتني من المسلسلات الدرامية المحليَّة التي عرضت في شهر رمضان لغزارة عدد الأعمال المنتجة ولاختلاف توقيتات عرضها، لا سيما أنَّ القنوات المحليَّة والعربيَّة على حدٍ سواء حوّلت المشاهد في شهر رمضان إلى شهريار مدلل تسعى إليه الفضائيات وهي تقوم بدور شهرزاد الحكّاءة لتجذبه بأنْ يستمع الى حديثها ويتابعها ليلة بعد ليلة بل ترغمه الى الاستماع الى جميع القصص الدرامية وليس لقصة واحدة وتسعى كل القنوات لإرضائه، لكنْ للأسف وسط الزخم الكبير من القصص الدرامية المستهلكة وتكرار وجوه بعض الفنانين لم أجد كمشاهدة عملاً محلياً واحداً متكاملاً يشدني، وبدون مبالغة، لن يبقى أيّ عمل - مما تابعت - خالداً في ذاكرتي وتذكره الأجيال المقبلة.
قبل أكثر من ربع قرن كان التلفزيون المصري على سبيل المثال ينتج مسلسلاً واحداً ويكون هو العمل الرئيس، يقدم للمشاهد العربي في شهر رمضان ويبقى خالداً لدى جميع الأجيال التي تابعته وتعيد متابعته.
على سبيل مسلسل (أبنائي الأعزاء شكراً) الذي أنتج عام 1979 بطولة الفنان القدير الراحل عبد المنعم مدبولي، لا زال هذا العمل خالداً ومتابعاً من قبل الجيل الذي لم يكن مولوداً وقت عرض العمل، وهناك عدة مسلسلات قدمت في شهر رمضان على شكل أجزاء بقيت خالدة إلى اليوم في ذهن المشاهد العربي منها مسلسل "رأفت الهجان"، تأليف صالح مرسي وإخراج يحيى العلمي، عملٌ وطنيٌ خالدٌ في ذاكرتنا خصوصا أنَّ أبطاله كانوا نجوماً في السينما على رأسهم يسرا ومحمود عبد العزيز.
أما مسلسل "ليالي الحلمية" في أجزائه الخمسة التي عرضت في رمضان وحقق نجاحاً غير مسبوقٍ وإلى اليوم يعيد متابعته الجيل التسعيني وارتكز كادر العمل على خلفية نجاح أجزائه الخمسة وقُدم الجزء السادس في العام 2016 ورغم أنه لم يحقق النجاح الباهر الذي تميزت به الأجزاء السابقة، لكنه حافظ على درجة النجاح والبصمة الخالدة في أذهان الناس عن العمل.
وهنالك عددٌ كبيرٌ من الأعمال الرمضانيَّة العربيَّة التي قدمت ويتابعها مجدداً إلى اليوم الجمهور العربي عبر منصة "اليوتيوب" ولكنْ بعد كل هذه الأعوام أين الدراما المحلية من هذه الأعمال التي عرضت في شهر رمضان لهذا العام. فالمسلسلات العراقية نأخذ على سبيل المثال مسلسل "طيبة" تأليف محمد حنش وإخراج إياد نحاس، الذي لفت الأنظار بمواهب شابة واعدة وأماكن تصوير جميلة ولكن القصة مستهلكة مأخوذة من المسلسل التركي (فريحة)، فضلاً عن أنَّ العمل يحمل الكثير من المتناقضات فبطلة العمل طيبة "هند نزار" كان حلم حياتها دخول الجامعة بعد فشل زيجتها وقد ألحَّتْ كثيراً على والدها "محمد هاشم" لتأخذ موافقته وبعد تدخل الأم تمت الموافقة، ولكن طيبة أصبحت تفتش عن الحب في أروقة الجامعة بدل الدراسة، كان دورها يسيء لسمعة الطالبة الجامعية بنظري ونظر الكثيرين ممن تابعوا العمل، فطيبة تتقن الكذب على الجميع بأنها فتاة ثرية وتعيش بالمظاهر البراقة والملابس الباهظة اشترتها لها صديقتها والتي تستعير منها ما تريد ارتداءه بأوقات لاحقة وتكذب في ما بعد على حبيبها رغم أنها من طبقة فقيرة وتمارس الكذب ذاته على والدتها (صبا إبراهيم)، بأنها تدرس مساءً عند صديقتها لكنها تذهب ليلاً لرؤية من تُحب وتساعدها صديقتها سارة (أساور عزت) في التأنّق والكذب والخروج، العمل يدافع عن حق الطالبة بإقامة علاقة غرامية من أول يوم دخولها للجامعة رغم صغر سنها وتجربتها بدل اهتمامها وشغفها بالدراسة والتركيز على مستقبلها.
أما بطل العمل وسام "تميم التميمي" فمثال للقدوة السيئة للشاب المدلل، فهل هذا من يمثل الشاب العراقي؟، فضلاً عن الألفاظ البذيئة التي تلفظ بها بعض أبطال العمل كطلاب في الجامعة خلال كل اشتباك أو خلاف يتم لأجل الطالبة الجميلة طيبة.
أنا قضيت أربع سنوات في الجامعة وأجزم أني لم أر أو أسمع بهذه الألفاظ بين طلاب الجامعة، ولا تحصل هذه المشاجرات والعراك لأجل فتاة في الحرم الجامعي.للأسف تم تشويه سمعة الطالبة الجامعيَّة والحرم الجامعي، ونال من ثقة الكثير من الأمهات والآباء ببناتهم وأصبح الشك والخوف المبالغ فيه سيدي الموقف تجاه بناتهم.لماذا يتم الاستعجال في صنع الأعمال الرمضانيَّة التي يكون لها متابعة كبيرة من قبل الأسرة، لماذا لا يحترم مستوى ثقافة جميع الآباء والأمهات الذين يتابعون أعمالاً تحمل أفكاراً وانطباعات سيئة عما يدور خارج المنزل، لماذا لا نتخذ من الأعمال العربيَّة الرمضانيَّة الخالدة مثالاً يحتذى به في تقديم أعمالنا اليوم؟.
أين كتابنا الشباب من قوة النص في مسلسل "ضمير ابلة حكمت" الذي عرض عام 1991 بطولة الفنانة الراحلة فاتن حمامة، ومن المبادئ والأخلاق السامية التي قدمها مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" عام 1996 بطولة الفنانين نور الشريف وعبلة كامل. أو مسلسل "المال والبنون" بجزأيه الأول عام 1992 والثاني عام 1995 الذي قدم للأسرة العربيَّة الدروس والعبر في الحب والوفاء وعبادة المال ونهاية مهربي آثار البلاد وزينة البنين في حياتنا.
لا يا سادة ما قدم لنا من أعمال محليَّة لا ترضينا ولن تبقى في ذاكرتنا حتى للشهور القليلة المقبلة، لقد قبضتم أجوراً عالية في هذه الأعمال المطبوخة على عجل والمحطات الفضائية جنت الكثير من الأموال مقابل الإعلانات ولكنها أعمالٌ هابطة لن تبقى خالدة للأجيال القادمة ولن تُذكر مثلما نذكر اليوم ما عُرض من أعمال رمضانيَّة قدمت على مدى أكثر من ربع قرن.