مآسي حرب اليمن.. إلى أين؟

بانوراما 2021/07/13
...

  سامي مجدي
  ترجمة: بهاء سلمان
 
من بين الأعداد المتزايدة لقبور موتى الحرب الدائرة داخل مقبرة مدينة مأرب اليمنية، يشخص أحد القبور متميّزا عن الآخرين، فهو يضم ضحيتين معا، هما والد وطفلته الصغيرة.
كان طاهر فرج وابنته البالغة من العمر سنتين، ليان، لا ينفصلان عن بعضهما البعض، وفقا لما تقوله الأسرة.
وعندما قاد فرج سيارته الشهر الماضي إلى السوق لشراء المواد الغذائية لزوجته لإعداد وجبة الغداء، أخذ ليان معه.
على الطريق، توقف عند محطة تعبئة وقود تقع عند حي الروضة لتعبئة سيارته.
حينها، وعندما كانا ينتظران في الطابور، ضرب صاروخ بالستي تلك المحطة، تبعه انفجار لشحنات تحملها طائرة مسيّرة، لتجتاح كرة نار المحطة، وتحرق السيارات الواقفة في الطابور.
مات نتيجة الانفجار 21 فردا، بضمنهم فرج وطفلته، خلال الهجوم، بحسب {ليز ثروسيل}، المتحدثة باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
مثلت هذه الحادثة الاعتداء الفردي الأكثر دموية ضمن معركة طاحنة مستمرة لأشهر بين قوات الحوثيين وحكومة اليمن المؤقتة في محاولة للاستيلاء على مدينة مأرب، التي تعد المعقل المحصّن الأخير لتلك الحكومة شمال البلاد.
ومنذ شهر شباط الماضي، بدأ الحوثيون هجومهم، محققين تقدما بسيطا بسبب ضراوة قوة المدافعين، إلى جانب دعم جوي سعودي ألحق الكثير من الإصابات بين صفوف المهاجمين.
 
حرب ضارية
أصابت شظايا القتال الناتجة عن سقوط الصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة مناطق مدنية ومخيّمات للنازحين، ووفقا لتصريحات حكومية، فقد مات أكثر من 120 مدني خلال الأشهر الستة الأخيرة، منهم 15 طفلا، كما أصيب أكثر من 220 آخرين بجروح.
في المنزل، سمعت جميلة صالح علي، زوجة فرج، صوت الانفجار، ولم يخطر على بالها أن زوجها وابنتها في خطر، فهناك الكثير من التفجيرات التي تصيب المدينة.
مع ذلك، اتصلت بهاتف زوجها للاطمئنان على سلامته، ولم يكن هناك رد، لتتصل عدة مرات، وبلا نتيجة.
بعدها تعالى صراخ أم زوجها، التي تسكن المبنى نفسه، لتخرج من منزلها وتجد أسرتها تبكي.
{أدركت أن ليان ووالدها قد استشهدا، لأعود إلى غرفتي وأرفع يدي بالدعاء إلى الله،} تقول المرأة (عمرها 27 سنة) وهي تهز مهد طفلها البالغ عشرة أشهر: {كانت ليان طفلة محبوبة، وكان والدها متعلقا بها جدا، وكان يقول لي {ليان لي أنا، والولد لك}.. كان منشغل بها دوما، وهي كانت تبادله التعلّق نفسه.}
وكان فرج (عمره 32 سنة) يعمل مزارعا في مسقط رأسه، منطقة خارف، الواقعة شمال غرب البلاد قبل هروبه مع عائلته إثر اندلاع المعارك شمال اليمن سنة 2014، وبضمنها العاصمة صنعاء.
وشأنه شأن الكثير ممن أرغمـــــــــــــوا على ترك ديارهم، استقر به المطاف في مأرب، الملاذ الآمن ظاهــــــــــريا خارج مناطق الحرب.
وتمكّن من العمل كسائق أجــــــــــــــــــرة، والمنطقة تضم حاليا ما يزيد عن مليونــــــــي نازح، يتجمّع الكــــــــــــــثير منهم في مخيّمات عنــــــد أطــــــــــــــراف المدينة، وفقا لإحصائيات رسمية.
 
الوقوع في المحظور
وجد هؤلاء الناس أنفسهم محشورين وسط أحد أكثر الجبهات الأخيرة فعالية في الحرب التي تصل إلى عامها السابع تقريبا بين الحوثيين والحكومة المؤقتة المسيطرة على الكثير من مناطق الجنوب.
ووصلت جهود وقف الحرب إلى طريق مسدود، لكنها استمرت بحالة التدمير، لتحصد أرواح أكثر من 130 ألف فرد من الطرفين، وتتسبب بالأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم.
في اليوم نفسه الذي وقع فيه حادث محطة الوقود، وصل وفد عماني إلى صنعاء لإجراء حوار مع قيادات الحوثيين، وهناك ضغوط تمارس عليهم لإيقاف هجومهم على مأرب والموافقة على وقف لإطلاق النار يشمل البلاد بأسرها، تمهيدا لإجراء محادثات سلام، بينما يتحمّل سكان مأرب تواصل ضربات الصواريخ والطائرات.
وقال مسؤول كبير في قوات الحوثيين إن الضربات الصاروخية استهدفت موقعا عسكريا، ودعا إلى إجراء تحقيق مستقل لمعرفة ظروف الحادث.
وتقع محطة تعبئة الوقود على مقربة من سياج خارجي لأحد معسكرات الجيش.
ويقول أحد العاملين في محطة تعبئة الوقود، يتم علاجه في مستشفى المدينة، إن الانفجار كان ضخما للغاية جعلني أرتفع عاليا في 
الفضاء.
وكسرت ساقه اليمنى، كما تعرضت أماكن كثيرة من جسده للحرق.
وتم العثور على جثتي فرج وليان داخل سيارة التاكسي، متفحمتين لدرجة عدم إمكانية التعرف عليهما، وهما يعانقان بعضهما البعض، بحسب ما قاله مسؤولون وأفراد الأسرة.
ويقول أياد، شقيق فرج: {بسبب التعلّق الشديد الذي كان بينهما، قررنا دفنهما في القبر نفسه.}
صحيفة
 لوس انجليس تايمز الأميركية