الجحيم الكندي..حرارة الشمال تفوق أسوأ التوقعات المناخية

بانوراما 2021/07/13
...

  جوناثان واتس
  ترجمة: خالد قاسم
 
إذا كنت قد أعددت قائمة بالمواقع المحتملة للجحيم على الأرض قبل الأسابيع الماضية، فعلى الأرجح لن تخطر القرية الجبلية الصغيرة {لايتون} في كندا على بالك. وسمع عدد قليل من الأشخاص خارج مقاطعة بريتش كولومبيا بهذه المنطقة التي يسكنها 250 نسمة، ومن سمع بها يعتقد أنها ريفية. وتقع القرية عند إلتقاء نهرين في سفوح تلال مغطاة بالغابات لسلاسل جبال ليلويت وبوتين، ويتباهى الموقع الالكتروني للبلدية بقوله: {لايتون هي الموقع المثالي لمحبي الطبيعة من أجل التوصل مع جمال الطبيعة المذهل وحرية الهواء النقي}.
تصدرت القرية عناوين الأنباء حول العالم مؤخرا بسبب ارتفاع درجات الحرارة الحاد والطويل بشكل فظيع الذي حوّل المناظر الجميلة الى جحيم. ونبّه الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس وزراء كندا جاستن ترودو المدنيين القلقين الى ضرورة الاستعداد لما هو أسوأ. ويتساءل علماء المناخ المصدومون كيف فشلت أكثر السيناريوهات تشاؤما بتوقع هذه الظروف النارية في أقصى الشمال.
يقول يوهان روكستروم، مدير معهد بوتسدام لأبحاث التأثير المناخي: إن الأوضاع الشاذة المناخية الأخيرة لم يجر تمثيلها في نماذج الحاسوب العالمية المستخدمة للتنبؤ بكيفية تغير العالم في حالة إطلاق مزيد من الانبعاثات. والخوف هو أن أنظمة الطقس قد تتعرض لمزيد من الإعتراضات بسبب الانبعاثات البشرية.
يبدو الطقس نفسه متوقفا في لايتون، فدرجات الحرارة محصورة في قبة ساخنة ضخمة طوقت غرب كندا وشمال غرب أميركا، وهو ما تسبب بارتفاعها المستمر. وتحطم الرقم القياسي لدرجات الحرارة في لايتون عندما تجاوز 49 درجة مئوية. وأعقب الحر الذي لا يطاق حرائق خانقة، إذ احترقت الغابة أولاً ومن ثم بعض مناطق البلدة. 
ذكرت مراكز الشرطة والمستشفيات ارتفاع عدد الوفيات المرتبط بالحرارة، إذ توفى نحو 500 شخص في بريتش كولومبيا وعشرات آخرين جنوب الحدود، وحصلت التواءات في الطرق بسبب تمدد الإسفلت وعانت بعض المدن من انقطاع التيار الكهربائي.
 
تفسيرات متضاربة
يصعب قياس التأثيرات النفسية والسياسية والاقتصادية، لكن بالنسبة لكثيرين فإلى جانب الرعب هناك إحساس بالحيرة لأن تلك المناطق الشمالية أكثر سخونة من الشرق الأوسط، ولخص ديفيد فيليبس كبير علماء المناخ الحكوميين الوضع بقوله: {أعني، أن الأمر لا يبدو كنديا}.
يشعر سكان دول أخرى بأن طقسهم ينتمي لجزء مختلف من العالم، ففي ولاية واشنطن الأميركية عبر الحدود مع كندا بلغت درجة الحرارة 47 مئوية بمدينة أوريغون، وشهدت مناطق عديدة من ولايتي كاليفورنيا وآيداهو أرقاما قياسية جديدة. ولم يستثن الطقس الحار أوروبا، فقد عانى شمال القارة وكذلك روسيا من فقاعة ساخنة غير مسبوقة، غطت موسكو وهلسنكي وبيلاروسيا وإستونيا.
اضافة الى ذلك، عاشت سيبيريا موجة حر مبكرة ساعدت بتقليل كمية الجليد البحري في {بحر لابتيف} الى أدنى مستوياته لهذه الفترة من السنة. وبلغت درجة الحرارة أكثر من 31 في بلدة أويمياكون الروسية التي تعد أبرد مكان مأهول على سطح الأرض، وحصل ذلك بعد فترة حر طويلة شملت سيبيريا العام الماضي واستمرت عدة أشهر.
يقول كارلو بونتيمبو، مدير جهاز كوبرنيكوس للتغير المناخي، إن هناك بصمة بشرية واضحة بهذا الحدث {الغريب جدا}، وأضاف أنه مع عدم انبعاثات السيارات والحقول والصناعة فإن درجات الحرارة القياسية في غرب أميركا الشمالية تحصل مرة واحدة كل عشرات آلاف من السنين، لكن الاحتمالات ارتفعت الى جانب مستويات غاز الدفيئة. 
يمكن رؤية درجات الحرارة العالية عبر العالم، فحتى الشرق الأوسط كانت درجاته تزيد عن 50 درجة مئوية شيئا متطرفا، لكن أجزاء من باكستان والهند وأستراليا وأميركا وكندا تقترب أو تتفوق على هذه النقطة.
فاجأت حدة الحرارة في شمال غرب أميركا هذا العالم وسيبيريا العام الماضي علماء كثيرين وأظهرت امكانية مساهمة عوامل أخرى في خطوط العرض الشمالية. تقول إحدى الفرضيات أن ارتفاع درجات الحرارة الحالي قد لا يكون ناتجا عن {التدفئة العالمية} لكن بسبب أنظمة الطقس المتباطئة التي تلتصق بمكان واحد لفترة طويلة، مما يعطيها وقتا للاشتداد وإلحاق ضرر أكبر. وكان ذلك عاملا مهما بتدمير تكساس إثر إعصار هارفي عام 2018، وإستمر فوق مدينة هيوستن لعدة أيام بدلا من أن يعصف داخليا ويضعف. وتتحمل جبهات الضغط العالي المسدودة موجات الحر الشديدة في أوروبا 2019.
يعتقد خبراء الطقس أن التسخين السريع للقطب الشمالي وتناقص جليد البحر يجعلان التيارات النفاثة تتذبذب بأنماط كبيرة ومتعرجة، تسمى {موجات صدى روزبي} وتحصر أنظمة طقس مرتفعة ومنخفضة الضغط في مكان واحد لفترة أطول.
تبقى هذه النظرية محل جدال، كما يقول بعض الخبراء، لكن مهما كانت التفاعلات المتسببة بهذه الظاهرة، فالعلماء متفقون على أن أبسط طريقة لتقليل خطر هزات حرارة اضافية هي
خفض انبعاثات الوقود الأحفوري وإيقاف قطع الغابات.
 
صحيفة الغارديان البريطانية