ليليان بوسنر
ترجمة: شيماء ميران
يبدو أن العلاقات الاميركية – الروسية في طريقها نحو الاسوأ، فبعد أن سئمت واشنطن من السلوك الروسي، قامت بطرد مجموعة من دبلوماسييها، وردت موسكو على ذلك بعمليات طرد من جانبها ايضا، ولكي لا تتفوق عليها روسيا طردت واشنطن المزيد من الدبلوماسيين، وكانت لموسكو الكلمة الاخيرة، إذ اصدرت امرا لجميع الروس وثلث موظفي السفارة الاميركية في موسكو بالتوقف عن عملهم، وترك البعثات الدبلوماسية تهتم بشؤونها من سياقة السيارات إلى إعداد الطعام واعمال التنظيف، ما أدى جوهريا إلى عرقلة اعمال السفارة إلى حد كبير، ووسط العلاقات المتدهورة ارسلت واشنطن وموسكو كبار دبلوماسييها إلى ريكيافيك لانقاذ ما يمكن انقاذه من العلاقات، ومحاولة صياغة نوع من التسوية في بعض الامور التي تتداخل فيها مصالح الدولتين، لقد مرت اميركا وروسيا بهذا الوضع قبل أن تُحشرا في حلقة محاولات غريبة لتحقيق التقارب بين الرؤى العالمية المتعارضة، وتفكيك ترساناتهم الدبلوماسية قبل أربعة عقود، فبعد فضيحة التجسس في الامم المتحدة، شهدت إدارة الرئيس الاسبق رونالد ريغان اضخم عملية طرد للدبلوماسيين الروس في التاريخ الاميركي، إذ تم طرد 25 دبلوماسيا، ثم مباشرة تقريبا تصّدر سجل الإدارة طرد 55 دبلوماسيا اضافيا، وبقي هذا الرقم قائما حتى جاءت إدارة ترامب، عندما حددت ستين شخصية دبلوماسية روسية غير مرغوب بها في عرض للتضامن مع بريطانيا عقب تعرض سيرغي سكريبال للتسمم.
ومثل ريغان، أعاد ترامب الحاجة إلى طرد نشاطات التجسس للدبلوماسيين الروس، بحجة اتهامهم بأنهم موظفو استخبارات تحت غطاء دبلوماسي، ولطالما كانت السفارات محاور لنشاط التجسس، ودائما ما يسمح بهذا العمل حتى يقترب الجاسوس من الخط الاحمر، فقبل عهد ريغان، كانت عملية الطرد الدبلوماسي دائما من الامور الهادئة، لكن منذ ذلك الوقت ضموا اليها عقوبات في إدارة الغرب لاساليب السياسة الخارجية المفضلة.
التصعيد المتبادل
ومن السهل رؤية السبب، إذ يمكن استخدامهم في عرض التضامن كما كانوا يُستخدمون في العام 2018، حين انضمت اميركا إلى اكثر من عشرين دولة اخرى في عملية طرد جماعي لـ 135 دبلوماسياً روسياً من اوروبا واميركا الشمالية، او في الموقف الاخير حين قامت عدة دول اوروبية بطرد الدبلوماسيين الروس عقب فوضى عملية استخباراتية روسية نتج عنها انفجار مستودع اسلحة في جمهورية التشيك، ورغم ان ترامب طرد ستين دبلوماسيا، في الوقت الذي قدر خبراء اميركان أن هناك مئة موظف روسي تقريبا يعملون في اميركا، تاركين العشرات يواصلون عملهم، كما أن اعلان شخص ما غير مرغوب فيه امرا يختلف عن تغيير كادر السفارة، ما يعني انه لا يوجد ما يمنع الروس من مجرد استبدال اولئك الذين طُلب منهم المغادرة.
لكن المشكلة في عمليات الطرد الدبلوماسي، انها تميل إلى بداية التصعيد المتبادل، وبالاضافة إلى طرد ستين دبلوماسيا، اختارت إدارة ترامب ايضا إغلاق القنصلية الروسية في سياتل، والسبب جزئيا هو قربها من شركة بوينغ وجميع اسرار طيرانها، وردت السفارة الروسية في واشنطن عبر تغريدة استطلاع للرأي، يمكن للمتابعين التصويت فيه على إغلاق القنصلية الاميركية اما في سانت بطرسبرغ او ايكاترينبرج او فلاديفوستك، ولم يتوقف الامر عند هذا الحد، فقد تم تخفيض الكادر الدبلوماسي الاميركي في روسيا، والذي كان عدده قبل العام 2017 اكثر من ألف موظف، إلى اقل من النصف كجزء من الرد الروسي على العقوبات التي فرضها الكونغرس الأميركي، وقام وزير الخارجية الاميركية السابق مايك بومبيو مطلع العام الماضي بإغلاق القنصليتين الاميركيتين المتبقيتين، وفي نيسان الماضي، طرد الرئيس بايدن عشرة دبلوماسيين روس ردا على التدخل في الانتخابات وهجوم سولارويند الإلكتروني، وردت روسيا على ذلك بالمثل، وبعد تعليقات بايدن التي اطلق فيها على بوتين صفة (القاتل)، استدعت روسيا سفيرها من واشنطن وأوصت اميركا بذات الامر.
وهكذا، فان السفارة الاميركية حاليا تعمل من دون قنصليات وموظفين محليين وسفراء، وغالبا ما تكون التوقعات لاجتماع القمة بين بايدن وبوتين أكثر اهتماما، لكن الذين يأملون بتحقيق اي نوع من المنجزات هبطت توقعاتهم نتيجة لتصريح جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي، الذي حذر قائلا: «لا نعتقد أن اجتماعات القمة الاميركية– الروسية ستكون حول منجزات منشودة، لأنها ستأخذ فترة طويلة»، لكن من بين المنجزات المتحققة والتي يمكن للخبراء تخيلها هو عودة السفراء الروس والاميركان إلى مواقعهم في عاصمة الدولة الاخرى، ويواصل البيت الابيض توقعاته بحكمة عن نتائج اللقاءات، وربما تكون الاستعادة الكاملة للقدرات الدبلوماسية لكلا البلدين، ومنها إعادة فتح القنصليات الاميركية المغلقة الثلاث في روسيا، هي بداية موفقة، وينبغي أن ترد اميركا بنوع من التهذيب العالي بإعادة فتح القنصلية الروسية في سان فرانسيسكو عند الساحل الغربي الأميركي.
وفي المرة الاخيرة التي سمحت بها اميركا وروسيا بتصاعد عمليات الطرد الدبلوماسي، سمح البلدان لقنواتهما الدبلوماسية بالبقاء بعيدة عن الصراع حتى عقد قمة واشنطن بين جورج بوش الاب وبوريس يلتسن سنة 1992، لكن بايدن وبوتين لا يتمتعان بنعمة الانتظار الطويل.
عن مجلة ناشينال إنترست الاميركية