الشعر بين تسميتي الشعبي والعامي

ثقافة شعبية 2021/07/25
...

  ذوالفقار يوسف
 
افتتح استطلاعنا لهذا العدد الشاعر كامل الركابي بوجهة نظره اذ قال {ليس كل شعر عامي شعبيا بالضرورة، فالجواهري والسياب وسعدي يوسف يمكن أن نسميهم شعراء شعبيين رغم انهم لا يكتبون بالعامية الدارجة بل بالفصحى، ويمكن ان نرى السبب في الناس (الشعب) الذي حفظ وتغنى بقصائدهم واصبحت جزءا من تراثه وثقافته الذوقية}.
ويكمل الركابي {وكذا يحق القول ايضا ليس كل شعر عامي (مكتوب باللهجة العامية) شعبيا، لافتقاد ذلك الشعر المقصود الى اي صلة بالشعب ولم يمد جذوره في اعماقه ولم يلامس وجدانه، فاغلب ذلك الشعر الذي يمجد السلطان والدكتاتوريات بروح هابطة لم ينتم يوما ما للناس بشكله ومضمونه، فيفقد عمليا صفته الشعبية رغم صياغته باللهجة العامية، وتنقم عليه فئات الشعب المنكوبة بنار السلطان والدكتاتوريات، فالاشكال الشعرية وباية لغة او لهجة ليست هي الحاسمة في تحديد صفة الشعبية، انما المضامين التي تعبر عن روح الشعب وتطلعاته}.
تخييل
للشاعر الدكتور حسين القاصد وجهة نظر اخرى حيث زودنا بذلك التشبيه وقال: {مثله مثل الشعر الفصيح، هناك كلام فصيح  موزون مقفى لكنه من دون تخييل، ويسمى نظماً وليس شعرا، لأن أهم اشتراطات الأدب هو التخييل، والكلام العامي الموزون ليس شعرا، أما الشعر الشعبي فهو شعر الشعوب، لذلك يمكننا أن نقول عن الشعر الفصيح أيضا إنه شعر شعبي اذا حمل مواصفات الشعر، فالشعر الشعبي هو شعر الشعوب إن كان باللغة الفصحى أو باللهجة الشعبية، وكبار شعراء الفصحى ضمنوا قصائدهم مقاطع باللهجة العامية ومنهم سعدي يوسف والسياب}.
 
الجدل المعرفي
الشاعر عامر عاصي يخلق حلولاً اخرى لتحديد مسار الشعر الشعبي اذ يقول: {تمتد جغرافيا الجدل في الشعر الشعبي العراقي على مساحات زمنية واسعة، تتوزعها حقب تطور النص الشعبي، مثلما تتنوع تضاريس النص الشعبي من حيث البناء الإيقاعي الخارجي المستند إلى تركيبة صورية وبنائية مختلفة للجملة الشعرية بانتمائها إلى القصيدة العمودية أو التفعيلة}. 
كما يضيف {هذا المنطلق الأول رافقته عوامل أخرى عديدة كانت مصدرا للجدل، منها التفاوت الكبير بين ثقافات الشعراء، ووسائل الإعلام التي لعبت دورا في تسويق بعض التجارب، والتيارات السياسية التي سوقت لأسماء ونماذج شعرية على حساب أخرى، ما أنتج المزيد من الجدل القائم على تصنيفات لا يستند الكثير منها إلى أسس نقدية موضوعية وأكاديمية}. 
 
ينابيع الجدل
يوضح الشاعر عامر عاصي بأن {طبيعة المادة التي يستخدمها الشاعر في تشكيل نتاجه (وهي اللغة العامية)، والتي هي في متناول الجميع ليسرها وانتشارها، أضافت لهذه التضاريس ينابيع جدل لا تجف من خلال مطاوعتها وقابليتها للطي، ودقة الخط الفاصل بين كونها شعرا أو كلاما تقريريا، ما فسح المجال للكتابة واسعا أمام جموع غفيرة، فضلا عن جموع أخرى ممن يدلون بآرائهم باستسهال كبير لا يحول بينه وبين استسهال الكتابة إلا وجود اشتراطات النظم المعروفة}. 
ويردف بقوله {وإذا أخذنا في الحسبان تأثير موضوعات النص، بمعزل عن شعريته، فسوف نكتشف أن متجادِلَينِ اثنين حول النص الواحد، يسيران بخطين متوازيين، ويتحدثان عن موضوعين مختلفين (حول النص ذاته)، وكل يؤذن في وادٍ بعيد عن الآخر بسبب انعدام التقاليد والضوابط والقوانين والنظريات النقدية التي يمكن أن ترسم لهما الطريق المحدد، وسط المتاهات الشاسعة على تخوم جغرافيا الجدل في الشعر الشعبي}.      
ويختم بحديثه {أما ارتباط الأغنية (بشكل رئيس) بالنص الشعبي، فقد عقّدَ خرائط الجدل أكثر، بسبب ما يضفيه اللحن والصوت على الكلمة من فضائل قد لا تمتلكها جمالياً، أو العكس حين يأكلان من جرف الكلمة ويحطان من القدرة على تلقّيها بكامل جمالياتها، كما يحصل كثيرا في ساحة الغناء العراقي، بذلك نكتشف أننا بحاجة إلى منظومة نقدية معقدة، لقراءة التجربة الشعرية الشعبية العراقية، وربما أكثر تعقيدا وتقدما بكثير من المنظومة النقدية للقصيدة الفصحى بكل أشكالها، لكي نصل إلى نوع من الجدل المعرفي، المقنن بضوابط علمية ومحددات موضوعية}.