زهير بردى
لم أدعْ أحداً منّي في إجراءٍ لي .سواء كان تقويميّاً او معرفيّاً أو تحليليّاً. أن يزخرفَ قيمَهُ ومنمنماته وأقواله سواي ، وقد أتحتُ لي فرصةَ أن أعبثَ في جوهرِ الضوء، أبحثُ وأبعث الجمال ولست أتباهى حين أجتازُ التجريب.
أن أستشرقَ معطياتِ أبجدية تفاعلتُ معها وبها في تجلّيها. وأنا أستدعي سيماءَ ظاهرتها وأطرها في مشغلي الشعري. أبجديّةٌ تتكلّمُ معي وأتكلم بها وأجتاز فضاءاتٍ أخترتها ربّما كمنتج او متلقّي. لقراءةِ نصٍّ منزاح مختلف سواء في إنتاجِه أو في خلقِ ما يمكن تدوينه، في همِّ مشروع شعري آلَيتُ أن أخرجَ من السائدِ في كتاباتٍ وأنساق مغايرةٍ. فالنصّ أُومن بوصفِه إبداع ,يحضرُ اليَّ في إنزياحاته وأنساقه وإشتغالاته الدلالية. ولم أفكّر أن أُورخ لمرحلةٍ سوى بنصٍّ. لازمني يتحرّك فيه كما أنّ ايماني، أنَّ لذّة النصّ إيقونتي. ولا أسمح إلا الى لحظة إعترافٍ ورتبة تناولِ قربان، أستعيدها للنفاذِ الى القارئ من بنيّةِ النص
أفهم علاقتي بي وبالقارئ والنص ،وأقيمُ تبعا لذلك علاقةً جمالية، وبوصفي منتجاً ومتلقيّا في آن واحد وضمنَ هذا المفهوم لا بدَّ أنْ أصبَّ إهتمامي لحظةَ الكتابة مشروطاً بالأبعادِ التخيليّة وتجاوز السائد .وتغيير العلاقة بشكلّ حدسي تجاوزاً في حضورٍ خلّاق لمخاضِ وقلق اللحظة .في خلقِ أشكال رؤى وتأملات جمالية. لحظة الكتابة في بهاء توهّج متشظّي في إنتاج النص الأكثر تأويلا وجماليةً. وأعود لإشكالية في السؤال.
لأسالَ هل هناك نص لا يمثّل الكاتب؟ ويتقدّم على نصوصِه .كل النصوص تتقدّم اليَّ وأصاب بخيبةِ اختيار وشكّ. ربّما لو وجدَ نصٌّ يتأخر عما لا اشك به في لحظة إنتاجِه .كنت قد محوتُه حقّا .إنَّ كل نصوصي أمامي كصفِّ إيقاع موسيقي يعملُ بتوافق. ويخدشُ السامع لو لم تنسلُّ الاصابعُ هرمونيّا وبالتتابع . وبنسقٍ متجانس متمرّد في الأداء. وحينما حوصرت بالسؤالِ.
ولا بد أنْ أدوّن شيئاً، تذكرّتُ أوّل نص كتبتُه وكان يؤشّر الى طاقةٍ من التمرّدِ على السائدِ وثرّاً في جمالِه وكنتُ بأدائي وقتها .ربّما أحاولُ أنْ أفلَّ خيطاً من الكلماتِ. وأرصفها وأقيم علاقةً مدهشة مع أفكار كان الخيالُ أقرب من معرفيّتها .وكنت أقرب الى التدريبِ على هكذا آليّاتٍ في عملِ مخيّلة أردتُ لها أن تكونَ دائماً مستفزّة ومتوترّة ومدهشة. كما أفادَ بعدَ حين استاذي الشاعر المبدع معد الجبوري .حينما كتبَ لي قصاصة إحتفظتُ بها كثيراً ولأكثر من أربعينَ عاماً عن نصّي الأوّل وهذا النصّ أدناه أخترتُه بين مجموعةِ نصوصٍ طفرَ منها وكتبتُه مباشرة من المسوّدة الى جريدةِ المربد. مربد الحبّ والجمالِ والبهاء
المجانينُ يسمعون عويلَهم المشروخ ويقلّدون عواءَ قطط شباط ، ويصورون ضحكاتهم مع ميت قرب مقبرةٍ. تفكر بعدد أسنان الغيوم. وعند منحدرِ فم صبي صغير حلو مذاق لعابه الابيض . يأخذون الحربَ للنزهةِ تحت أنقاضِ علبةَ كبريت فارغة الدخان، وفي جوفِ بيت من ورقٍ. يغسلون طينَ مغارةٍ سيّئة التماثيل. كلامهم المكسور يتهشّم في حجمِ ثقبٍ لطيف لصقَ أسنانِ الظلام.
هناك تتمدّدُ سيرتي القديمة الاتية من فوضى .تتلاشى في لونِ حبّة زيتون في بصري الاعمى ، أذهبُ الى مستقبل الضوءِ. الجملة العرجاء الناقصة لا تحتاج الى إنعاش نسيان في تابوتِ هواء. لا أحبّه بالنارنج .نكتة باذخة الصدأ صفراء من الحبِّ، تنامُ على أريكةٍ مليئة بأكياس شخير مليء بلحيةِ خيوط ملابس
النساء.
حفر عجيبة كصرصار تصفرُ بإتقان داخلَ هيكل عظمي .ماتَ قبلَ عشر ثوان وما زالَ مستمرّا في إغفاءة شكوكٍ. تداهمه ويشبهني يعانى الوردُ كثيرا مصابا بسوءِ بختٍ في ظلامٍ لا مثيل لانتعاشه . فقد هويته في تفجيرٍ مفجوع من الموتِ في الحياة في العامِ المقبل. وقبل الثامنة بقليلِ عشب وحفنة قلق مزمن. وكثيرا ما كنت أفكّر أنّي سأخسرُ من جرّاء ذلك يابسة من النسيان .قرب مقبرةٍ لا تفكّر بعطرِ معبدٍ. ينمو في الترابِ بلا سبب.
تحت قدمين معقوفتين من جراءِ أمورٍ غريبة .ومنذ رائحة إنجاب عجوز فوق المغسل .وحضور التسترون والاسبايروجيرا 2 وقبل أحد فوري تعثّر في الموسيقى. وألقى ثيابَه المنسيّة في قمامة مخلّفاتِ الحرب، وتحت وقتٍ أعمى دودة قزٍّ ببصرٍ مثقوب، تنظر إلى طائرةٍ ورقيّة تحتسي أحمرارِ الشمس من خللِ البرتقال والسماء شال رمل فضفاض .
تذهب بنقشاته الايّام الى عشٍّ مالح، يتمشّى في متاحِ العميان الى حسنِ حظِّ وصولٍ شاق .هاوية مجازة دون سابق انذارتبثُّ عبر هوائي تلفزيون يهتز مرهقا بباقةِ نوء من طرب أجراسٍ ترنُّ في ضوءِ حبل غسيلٍ طروب من فرصٍ كثيرة ترسل اليه كانه جسر ينظر الى اضرحة تطمس في الماء يتقدمها جنود يفكرون بالموت ايضا لكن عبر تموج ابليس يسبح اليهم بخيط مائع وعين واحدة واصابع طرية كنحل في حالة ذوبان فتقا في خبز قربان ينتظر افواها كقبر تخاف من كف تترقبها فتصعد بسرعة قذف الشتائم الى رماد يعود الى مقاعد مالحة في الماء.