زهير الجبوري
في محاولة جديدة لتأطير شعريتها المسكونة باقتراحات القراءة ، واللّعب بتفاصيل النص من خلال التعامل المباشر بالحسي والهاجسي ، تطرح علينا الشاعرة غرام الربيعي مشروعها الشعري/النثري (سيبار حين يئن البجع)/ 2018 ، حيث القصائد التي تعلن عن صراحتها وعن قصديتها الواضحة، ومثل هذه الطريقة يشتبك فيها الجمالي بالبنائي / المجرد، وهي ليست المرة الأولى لها في كتابة هكذا قصائد، اذ سبق ان كتبت عن ثيمة (العنونة) وقرأتها في فعاليات شعرية، وكأن النص عندها (موتيف)، خاضع للتزويق اللّغوي المنسرح على عتبات قرائية مباشرة، وهي من مسردات النص الشعري، وأشعر بأن الشاعرة الربيعي تبحث عن مواطن أخرى غير المتن ـ
بحسب جيرار جينيت ـ إذ تلاحقنا مجموعة من الاسماء بوصفها مسرودات شعرية قرائية ، الأمر الذي يضعنا في حالة اصغاء بعيدا عن الظواهر الصوتية والبلاغية المألوفة، فالقصائد في حقيقتها تجس نبض الأثر، بمعنى الأثر الذي يصوغ الوجود بشكله ومضمونه، وجود الاشخاص والاماكن وحالات الشعور بها، لذا انطوت هذه التجربة على عتبات شعرية هي (سيبار حين يئن البجع) و(رسائل الى الجمر) و(مثل نهار) و(كـأننا نشتهي البكاء) و(من يوميات سيبار) و(خاص جداً)، تستنهض الشاعرة في كل عتبة حالة من حالات الاقحام ، حيث تدفع بالقصيدة الى المتلقي عبر شخصية معينة معنونة او مهداة اليها، وبذلك قلبت غرام الربيعي المعادلة حين اسقطت برهجة اللّغة وخصائصها المتعالية الى عنوانات مباشرة :
1ـ عتبة عنوان الاسماء: لابد من وقفة متأنية وصريحة حين نقرأ العديد من قصائد المجموعة وهي معنونة بأسماء لها وجودها الفاعل في الساحة الثقافية الادبية، فهل لهذه الطريقة من كتابة القصائد تنطوي على مشروع شعري/شعوري /تدويني، أم هي عتبات ذات دلالة نفسية..؟ حيث تنضح بعض النصوص عبر بناءاتها عن رغبة الاستعادة لهذه الاسماء بوصفها حالات حضورية لمشاهد وشواهد ثقافية، وفي هذه الحالة ـ من وجهة نظر الشاعرة ـ
تتحول كل الاشياء الى قراءة، بعيداً عن الجانب الفني ولعبة الصياغة الشعرية، فالقصائد (وهن مدينة/ الى رؤى زهير، وجذور/ الى رباب هاشم ، ونشبه البيلسان/ الى سندس بكر ، ولست تاء ساكنة/ الى حذام يوسف)، ذات بناء تناسقي (عتباتي)، حيث (العنوان + المهدى اليه + النص)، نقرأ: (تحدثنا معاً / عن مدينة ما عادت تقبل الأعذار/ لأننا خذلنا/ مذ ذاك الوعد) ص23، في المقطع هذا يظهر المونولوج مع (رؤى زهير/ في قصيدة وهن مدينة)، كحالة من الوصف التراتبي والشعوري .حيث اخفاء الهواجس بصراحة الحوار، ربما يعود ذلك الى بنية تكوين الشاعرة في مواجهتها مع الآخر ..
في حين تظهر بعض القصائد مكشوفة الدلالة، منها ما يقف عند صراحة العنوان ، ومنها ما يناظر العنوان بتأويليته ومحيطه المضموني ، وقد اشار (امبرتو ايكو) الى حقيقة هذا الموضوع مبيناً الوظيفة التي يقوم بها صاحب النص في جعل العتبة العنوانية لها وظيفة تأويلية، لذا كانت غرام الربيعي اكثر حيوية في طرح الاسماء بمباشرتها .
2ـ ما بعد عتبة العنوان: وأعني هنا النصوص التي تكرست (المضمون) كوحدة شعرية خالصة ولو اخذنا تحليلنا في الجانب البنيوي، فانه يسمى بـ(المناص) الذي يعمل على تتابعية علمية مكملة لوحدة الموضوع، ولنا في شواهد كثيرة، نقرأ في (شهداء سبايكرـ ع ـ): (على شفا ليلةٍ،/ والأجساد ترفلُ بالجراح، / صوتٌ عاقٌ يهتف،/ يخشى امتدادنا) ص82 .
وفي (نفايات حرب): (لا احب الحديث عنها / لا تعرف غير (كش) بطل / الذي أحب الحذاء الجديد/ لكن ساقه ظلت هناك)ص121.
كشفت هذه النماذج عن شعرية مضمونية غايرت تتابعها الدلالي مع عتبة العنوان وما رادفه من اهداء، بل قدمت شعرية مضمونية ناقشت موضوعات جوهرية دقيقة، والمثير في تجربة الشاعرة انك لا يمكن قراءة نصوصها قراءة اولية، انما قراءة مـتأنية، لأنها طرحت قضايا مشحونة بخطاب ذاتي عبر (أناها) المتوهجة بشفرة الاسئلة الوجودية المفتوحة، او مشحونة بخطاب بكوني لشعرية السرديات الكونية واشكالية الازمة التي نعيشها جميعاً ..
(سيبار حين يئن الوجع)، مجموعة شعرية كتبت عبر نوافذ رسمتها الشاعرة غرام الربيعي ووزعت ادوارها عبر عتبات نصية (كانت مفاتيح واصفة ومعبرة لجوانب عديدة اشرنا اليها)، ولا ضير ان تكون شواهد الاشياء والعيش في تفاصيل المحنة هي جزء من اشتغال شعري لدى الشاعرة، فالاحساس بكل ما يحول الفرد من افراد واحداث ومواقف، في حقيقته احساس شعري، مهما انطوت عليه اسقاطات اللّغة او قدمته كنصوص شعرية قائمة بذاتها..