متاجر الأفغان تستقبل بقايا عقدين من الحرب

بانوراما 2021/07/25
...

 توماس جيبونز نيف
 ترجمة: ليندا أدور
على مدى ما يقرب من 20 عاما، كانت قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان، تشكل مرتكزا للحرب الأميركية ضد حركة طالبان، فقد تم استخدام مدرجيها المتراميي الأطرافK لشن الهجمات الجوية ورحلات العودة الى الولايات المتحدة وعمليات الإجلاء الطبية وأعمال البريد وعروض منظمات الخدمة الأميركية.
 
لكن بالرغم من سنوات التحضير لمثل هذه اللحظة، صاحب الانسحاب الأميركي الأخير من القاعدة بعض الجلبة، اذ بدا مفككا كخطة الحكومة الأفغانية لما سيحدث بعد ذلك. طيلة الأسابيع الماضية، كانت هجمات حركة طالبان نشيطة في عموم أنحاء البلاد، متسببة بمقتل عدد من أفراد من القوات الأفغانية وإرغام مئات آخرين على الاستسلام، ما دعا أمراء الحرب الأهلية من حقبة التسعينيات وقادة المليشيات المشكلة حديثا، لدعوة المدنيين للانضمام الى جيوش مؤقتة للدفاع عن البلاد ضد طالبان، ما قد يرفع مستوى العنف المتصاعد وأن الأمور ستزداد سوءا على نحو مؤكد، اذ من المتوقع أن ينهي 
الجيش الأميركي انسحابه الكامل من هناك بحلول أيلول المقبل، بعد أن تعهد الرئيس جو بايدن بإنهاء أطول 
حرب خارجية وعودة القوات الى بلادها.
 
الحرب الجيدة
في «باغرام» اليوم، فإن الساكن الجديد هم قوات الأمن الأفغانية التي سترث الصراع الذي بنته لها الولايات المتحدة، الى جانب مساحات واسعة من المعدات العسكرية والآليات وعربات الهمفي والشاحنات الصغيرة والأسلحة وحواجز هيسكو (جدار الرمال العسكرية)، التي ستبقى، ولأمد طويل، تمثل إرث الحرب المقيت ومستقبل البلاد المجهول. لكن ستبقى، الأشياء المادية التي تُركت، تذكيرا بعقود من الخسارة، من خلال أعداد هائلة من القتلى من جميع الأطراف، لا سيما المدنيين الأفغان.
على بعد ميل من القاعدة الجوية الأميركية، يوجد صف من المتاجر المشيدة من الطوب والحديد، يعمل فيها باعة أفغان، هم القيّمون على المخلفات والبقايا المادية التي تسقط من مؤخرة الشاحنات أثناء نقلها، أو التي تم انتشالها من بين أكوام النفايات، منها كوب القهوة الأسود اللون الذي لا يزال يحتفظ بملصق الباركود مثبت عليه، وهو واحد من بين آلاف المواد التي تحكي قصة ما كان يعتقد سابقا بأنه «الحرب الجيدة».
يجلس «حشمت الله غولزادة» خلف منضدة لأحد المتاجر، بمساحة لا تتعدى حجم خزانة، افتتحه قبل عام من الآن بعد أن كان يعمل سائق شاحنة. كانت المساحات المحدودة معبأة من الأرض حتى السقف ببقايا الحرب، ووجبات خفيفة وحقائب ومنتجات العناية بالجسم. 
لكن أنباء استقالة غولزادة، كغيره من أصحاب المتاجر، ترددت صداها لبعض الوقت في قرية باغرام، البلدة التي تشتهر بزراعة كروم العنب واقتصاد يعتمد على مخلفات المطار الذي استخدمته القوتان العظميان خلال الأربعين سنة الماضية.
 
مشروب طاقة 
وعاصبة وأشجار الميلاد
مع تحليق بعض من آخر طائرات الشحن الأميركية أواخر حزيران الماضي، لم يكن غولزادة متيقنا تماما من أن الولايات المتحدة ستغادر كليا، يقول: «إن رحلوا، ستسوء ظروف العمل». بالقرب من عتبة النافذة كانت توجد علبة وحيدة من مشروب الطاقة عالي السكر والكافايين (Rip it)، يقول غولزادة إن كلفة العلبة الواحدة تصل الى 120 أفغانيا (عملة) أي ما يعادل دولارا ونصف الدولار، والذي يعد سعرا باهظا مرتبطا بالتعلق الشديد بمشروبات الطاقة، التي نمّاها الشباب الأفغاني بعد الاجتياح الأميركي أواخر العام 2001. 
على أرض متجره، وسط أكوام من الحلي المنزلية (تحف زهيدة) وقناني الشامبو، هناك شريط أسود اللون (تعرض للعوامل الجوية)، مع أشرطة فيلكرو عريضة تعرف بوصفها “عاصبة تطبيق قتالية”، كان يحملها الجنود والمتعاقدون الأميركان في أفغانستان، لسهولة استخدامها وإسهامها في إنقاذ حياة الكثير. يبيع غولزادة هذه العاصبة مقابل 25 سنتا، وهو أقل من سعر مشروب الطاقة. 
يشير أصحاب المتاجر، الى أن العاملين في مجال الخدمات الطبية يقبلون على شرائها الى جانب نقالات الجرحى والقتلى الأميركية، القابلة للطي المعروضة للبيع الآن. تتداخل معها في العرض، بعض أشجار أعياد الميلاد الاصطناعية التي كانت في القاعدة ووجدت طريقها الى هذه المتاجر، مع بعض الزينة وديكور موسم الأعياد، التي ربما كانت تزين زوايا مكاتب موظفي مطار القاعدة. 
 
دروع ليست للبيع
شهدت قاعدة باغرام تطورا كبيرا، حيث تحولت من مطار عسكري سوفييتي سابق شبه مدمر مع وصول الأميركيين أواخر العام 2001، الى مدينة مصغرة مع احتدام الحرب وذروة العمليات العسكرية في العام 2011. كانت القاعدة مأوى لعشرات الآلاف من الجنود والموظفين وضمت مطاعم للوجبات السريعة والمتاجر وسجنا عسكريا جرى تسليمه لاحقا الى الأفغان. يقول فريد، صاحب متجر آخر: إن أغلب المواد التي غادرت القاعدة خلال الأسابيع الماضية، تم اتلافها والتخلص منها كقمامة، الأمر الذي عاد بالنفع على تجار الخردة، لكنه لم يوفر له ما يملأ به رفوف متجره. لكن، لم يتم تفكيك ونزع كل شيء، ففي متجر آخر، كان هناك زوج من الأحذية القتالية البنية اللون والمستخدمة، مطويا تحت سرير معسكرات (سرير خفيف)، فقد كانت هذه الأحذية هي السمة المميزة لنحو 800 الف 
جندي أميركي ممن تناوبوا على الخدمة في أفغانستان طيلة العقدين الماضيين.
اليوم، صارت طالبان لا تبعد سوى أقل من 80  كيلومترا عن باغرام، وهذا ما شعر به أصحاب المتاجر هناك قرب القاعدة، اذ يقول أحدهم، الذي رفض الكشف عن اسمه، وهو يشير الى لوح مضاد للرصاص يستخدم في الدروع الجسدية، بأنه ليس للبيع بعد الآن، بقوله: «هذا لنا نحن..غدا، ستكون هناك حرب».