ذوالفقار يوسف
ترضخ للسؤال وتجبر على الاجابة، فالاحاديث المحبطة تنفض غبارها عليك ما أن تفتح عينيك في الصباح ولا تغادرك الا حين تغمضها في المساء، منهم من يسأل عن الحال بطريقة تجعل يومك يسوء، وآخر يقدم لك الاسئلة لينتج عنها فيلق من الاحباط واليأس، (وجهك ليش اصفر؟ شكلك تعبان اليوم؟ اليوم متعارك؟)، والعديد من الاسئلة التي سترافقك طوال اليوم بسبب ثقافة من يسألها، وطريقة السؤال التي سترمي بك نحو هاوية التثبيط والابتئاس.
كثير من الناس يفاجئونك بطريقة طرحهم للاسئلة، فالتوعية بطرق الحديث واللباقة في الخوض بها معدومة عند الكثيرين، وبالرغم من وجود البرامج التعليمية والكتب وغيرها، الا ان العديد من الاشخاص يفتقرون الى المعرفة باصول طرح الاسئلة او بدء الحديث حتى تصل الى المزاح في وقت غير مناسب.
متى تتزوج؟
الجميع قد طرح عليه هذا السؤال (شوكت تتزوج؟). كيف لا وهذا هو هم العديدين، رؤيتك وانت تتزوج، وعلى الاغلب معرفة تفاصيل زواجك المقبل، غير ان المتزوج لم يسلم من هذا التدخل غير المشروط، فله نصيب من هذه الاسئلة، كمتى سترزق بطفل؟، فالبعض يتفنن بانتاج هذه الاسئلة، ليغلفها بالتدخلات بمحيط الخصوصية.
ومثل هذه الازعاجات خاض سعد فرحان احدها لكونه قد تخطى عمره الاربعين ربيعا، ويشكو لنا ما عاناه منها طوال حياته ليقول: لم اتوقع كمية هذه الاسئلة التي رافقتني ما أن بلغت سن الرشد ولم اقرر الزواج بعد، فكل من يراني امامه يطرح علي هذا السؤال، تلك الجملة التي كرهتها بسبب تكرارها، فالبعض لا يعرف طرح الاسئلة، ويتدخل بما لا يعنيه، فما يهمه ان تزوجت ام لا، هل سيكون من المعيب أن ابقى عازبا طوال حياتي، فمن الممكن أن تكون لدي خطط خاصة بي، هل يريد مني بسؤاله هذا أن اطلعه على كل خصوصياتي لابرر له عدم اقبالي على الارتباط، فكرت في احد الايام أن اسجل مقطعا صوتيا اقول فيه بأنني لم اجد بعد الفتاة المناسبة ليحل محل اجابتي في كل مرة اسأل هذا السؤال.
(شكد عمرج)؟
ومنذ صغرنا نرى ان هناك كوكبة من الاحاديث التي لا يجب أن تطرح، ومنها الاسئلة التي تخص العمر، ولا تحديد لجنس معين من البشر، فالجميع يكره هذا السؤال، الانسة ابتسام ناجي (38 عاماً) كانت احدى ضحايا هذه الاسئلة فتقول: كرهت حياتي متى ما طرح هذا الموضوع، كيف لانسان الا يعرف أن من اللباقة وآداب الحديث الا تُسأل المرأة عن عمرها، والكثيرون يعتقدون انه السؤال عن العمر فقط، الا انه يسألني عن عدم زواجي الى الآن، ويسأل من تزوجت لماذا لم تلد، واخرى ليظهر لها تجاعيد وجهها، وشعرها عندما تظهر فيه اول شيبة ليذكرها بها رغم اخفائها بالمساحيق والصبغ، فما الذي سيفوز به عند اجابتي لسؤاله، متى سينتهي هذا التدخل وتبدأ ثقافة الحديث عندهم؟.
لماذا لست على ما يرام اليوم؟
اقلقتني، ما الذي يجعلك تظن انني لست بحال جيدة؟، كيف لك أن تعرف بانني مريض ولم اشك لك ذلك؟، هل انت من المنجمين؟، طباع شاذة يعطي لنا علاجها الباحث الاجتماعي علي الناصر بقوله {يعاني اغلب المتدخلين بخصوصية الناس عدة امور منها شعورهم بالنقص، واختفاء وضعف الوازع الديني والثقافي والاخلاقي وغياب الوعي في ثقافة طرح الاسئلة والحديث بشكل عام، ولديهم فراغ في حياتهم يجعل لديهم حب التسلط، فيتصفون بالثرثرة والسذاجة والنفاق، لذلك ترى اغلبهم يفتقدون الى الامن النفسي، ما يجعلهم يتدخلون فيما لا يعنيهم ورغم ابتعاد الكثيرين عنهم الا انهم يكررون الاسئلة نفسها وبالطريقة ذاتها}.
ويضيف الناصر {انهم اشخاص انتهازيون وقلقون يتصيدون الناس وهدفهم ازعاجهم واستفزازهم، فهم لا يعيرون اهمية لاحاسيس البشر ولا لمشاعرهم وظروفهم الخاصة، لذلك يجب وضع حدود بينك وبينهم لتلافي ردودهم وتصرفاتهم السيئة، وأن نأخذ تجارب الدول في توعية الفرد منذ صغره بخصوصية المقابل وفن الحديث، ويجب أن تكون هناك ارشادات في مجال العلاج المعرفي السلوكي للحد من هذه التصــرفات}.
احباط
وهناك الذي لا يعرف الوقت المناسب للحديث مع شخص ما، ان التوقيت مهم للاستجابة والاجابة، فالانسان لحم ودم ومشاعر واحاسيس، له مزاجه الخاص، ووقته الذي يحب أن يجيب فيه على اسئلتك التي ليست بمحلها، سالم العبيدي احد المحبطين من زميله، فهو يستقبله بالاسئلة المحبطة ما ان دخل المكتب، فتارة يقول له ان وجهه مصفر اللون، واخرى يطلق تحليلاته الفارغة ما ان يراه سارحا، يقول العبيدي: ما كان تدخل صديقي الا تسلية، هكذا اتضح لي بعد تكراره هذا التصرف، المشكلة انه ليس وحده من اعاني من تصرفاته، فقد تجد من يعكر عليك صفو حياتك من اقاربك والجيران وفي الشارع وفي المواصلات حتى يصل الامر في المساجد.
ان الحكمة من الصمت هي اعطاء فرصة لراحة الناس، وعدم التدخل بشؤونهم، فلكل منا همومه وانشغالاته التي ستأخذ منا الوقت، اذ لابد من التوجيه التربوي والاعلامي والتوعوي للحد من هذه الظاهرة، عسى أن يعرف كل منا حدوده في الحديث والسؤال.