شابة تنزانية تنهض بطبقة المزارعين البسطاء

بانوراما 2021/07/27
...

 آن كيدموس
 ترجمة: بهاء سلمان
أثناء سني عمرها الأولى، كانت {بريجيتا فاوستن}، 32 عاما، غالبا ما تزور جديها في منزلهما القروي الواقع بالقرب من جبل كليمنجارو، حيث المنظر الطبيعي الرائع الهضبي. كانت الأسرة تعد طعامها بزيت دوار الشمس؛ لكن في قرية موشي، لم تر الفتاة أثرا لذلك الزيت الأصفر اللون، فقد كان القرويون يعدون طعامهم مسلوقا او مغليا لعدم مقدرتهم على امتلاك الزيت، بحسب بريجيتا. وعندما يتوفر زيت الطبخ، سيمر بدورة حياة طويلة، إذ يستخدم أولا لقلي الدجاج، ومن ثم يعاد استخدامه لقلي السمك، ولاحقا مع الرز.
تقول بريجيتا: {إنها حالة غير صحية بالمرة}، وقد كرست أوضاع الفقر المبتلاة بها القرية شعورا بالعدالة الاجتماعية لديها؛ وبعد سنوات، أنشأت مصلحة تجارية لتجميع حبوب دوار الشمس من 1200 مزارع يمتلكون قطعا زراعية صغيرة، تسعون بالمئة منهم من النساء، لإنتاج زيت طبخ بأسعار مناسبة للأسرة التنزانية. وبالاستغناء عن الوسطاء، استطاعت دفع مبالغ للمزارعين تقدر بأربعة أضعاف السعر المعتاد للحبوب، وما تزال تستمر بالتنافس مع الأسعار لأجل زيت دوار شمس نقي مصنوع محليا.
{أريد إخراج أنموذج يدوم ويصمد، فالأمر لا يتعلّق فقط بزيت الطبخ، بل بمصالح المزارعين وفائدتهم}، تقول بريجيتا، وهي أم لطفلين، وكانت تدير عملها من المنزل أثناء فترة حضانة الأطفال. بريجيتا من ضمن متعهدي أعمال أفارقة يبحثون عن وسائل لتغيير حياة المزارعين. ومن خلال استثمار حركة التصنيع، بإمكان قطاع الأعمال الزراعية الوصول إلى مصلحة تجارية قدرها ترليون دولار بحلول سنة 2030، وفقا للبنك الأفريقي للتنمية.
في تنزانيا، توظف الزراعة ثلثي القوى العاملة، وتمثل نسبة ثلاثين بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي للبلاد، والذي يشهد نموا ثابتا بأكثر من خمسة بالمئة سنويا. ورغم أن القطّاع يتحدّث بشكل تدريجي، لا يزال الكثير من أصحاب القطع الزراعية الصغيرة يعيشون تحت خط الفقر، ويتم بالمقابل تلبية طلبات المستهلكين المتزايدة للطعام المصنّع من خلال البضائع المستوردة.
 
عوامل مساعدة
{يعد التصنيع أمرا حاسما لأن قيمة المواد الخام ليست كبيرة، والأمر كله يتعلّق بالثمن الذي تضيفه}، كما يقول أستاذ جامعة ميتشيغان{فليكس يبواه}، المتخصص بتحليل زراعة القارة الأفريقية وتوظيف الشباب. فمثلا، تكسب غانا وساحل العاج، أكبر منتجين لحبوب الكاكاو في العالم، نحو ستة مليارات دولار ضمن مصلحة الشوكولاته التجارية المقدرة بمئة مليار دولار. ويستلزم تحويل المناطق الخصبة لتنزانيا ودول أفريقية أخرى إلى قوى تصنيعية لطعام متعهدي أعمال من أمثال بريجيتا، الذين يدركون فرص السوق المتاحة. يقول يبواه: {يساعد هؤلاء على المساعدة باستثمار الموارد وجلب رؤوس الأموال}.  
بريجيتا، الحائزة على شهادة بكالوريوس بالتربية، وشهادة ماجستير بتنمية المجتمع، لم تدخل مسبقا عالم الاقتصاد، حتى أحد أيام العام 2015 حينما كانت تبحث عن زيت للطبخ، ووقفت تتأمل الرفوف الحاوية لعلب الزيت، ولم يسعها تجاهل قاسم مشترك شائع، أن تسعين بالمئة منها كانت مستوردة، وأن العلامتين المحليتين الوحيدتين كانتا تباعان بسعر مرتفع، لتساورها شكوك بوجود عملية فساد.
ومع ذهولها لغياب المنتج المحلي لزيت دوار الشمس، بدأت ببحثها، مع مزارعي دوار الشمس، وإلتقت بمالك مصنع محلي لزيت الطبخ. بعد شهرين، تركت بريجيتا عملها لدى الصندوق العالمي للطبيعة، وبحلول نيسان 2016، كانت تنتج أول دفعة لها من زيت دوار الشمس. وبدأ كمنشأة صغيرة شمال العاصمة دار السلام بمساعدين اثنين فقط وتطوّر حاليا إلى معمل تصنيع جنوبي تنزانيا، يقوم بإنتاج عشرة أطنان يوميا من زيت دوار الشمس النقي.
ولأجل تسويق علامة تجارية جديدة من زيت الطبخ داخل السوق المحلية، تنقلت بريجيتا بين المحال التجارية لعرض منتجها، ورغم ما كان يحصل غالبا من رفض، تمكنت لاحقا من عقد صفقات قصيرة الأمد مع متاجر مناسبة. تقول شقيقتها الصغرى فيولا: {لقد تابعتها تبدأ أعمالها من الصفر، وكانت عزيمتها هائلة للغاية، ما تعلّمته منها هو عدم الاستسلام مطلقا}.
ويباع الزيت الذي تنتجه بريجيتا بسعر أقل قليلا من العلامات التجارية الأخرى المنافسة، وترى أن فرق السعر {له تأثير كبير على المستهلكين ذوي الدخل المتدني}، وبينما تم تصميم المنتج لجعل زيت دوار الشمس متاحا لنطاق أوسع من المواطنين، يحقق المزارعون أيضا أرباحا، فهم يكسبون 35 سنتا لكل كيلوغرام من حبوب دوار الشمس، مقارنة بتسع سنتات يقدمها الوسطاء. ويخلق العمل مع المزارعات تأثيرا مختلفا، فهن يرسلن أطفالهن إلى المدارس بما يجنين من مال، مقارنة بالرجال الذين ربما ينفقونه على ملذاتهم، بحسب بريجيتا.
ولأنها تفتقر لتدريب رسمي للعمل التجاري، إلتحقت بريجيتا بدورات أساسية لتعلّم أوليات التجارة، وسعت لنصائح من رجال أعمال تنزانيين كبار. كان جذب المستثمرين في أفريقيا لأعمال تقودها امرأة أفريقية، يمثل أحد أهم تحدياتها. حاليا، ومع خطط للتوسع باتجاه الدول المجاورة ورفع سقف الإنتاج لخمسة أو عشرة أضعاف، فهي بحاجة إلى جلب المزيد من المستثمرين.
ولأجل تقسيم أعباء العمل، تأمل بريجيتا أن تجد المزيد من الفتيات الأفريقيات حالة من الازدهار في الحدائق الخلفية لمساكنهن بدلا من وظائف خارج المنزل. وبتوجيه متعهدي أعمال آخرين يرومون كسب النجاح، لا تتوقف بريجيتا عن التواصل مع التجربة والخطأ، طالبة من الآخرين توجيه الأعمال بشكل صحيح. تقول بريجيتا: {أعتقد جازمة أن أفريقيا لديها مستقبل ناصع، إذا قررنا جميعا الاستثمار في بلادنا}.
                                                  مجلة أوزي الأميركية