الحرب الأهلية الأفغانية ستهدد الصين وباكستان معاً

بانوراما 2021/07/27
...

 فيغاي بارشاد
 ترجمة: أنيس الصفار                     
وعدت الولايات المتحدة، بسحب قواتها المقاتلة من افغانستان بحلول 11 أيلول المقبل، فبعد عشرين عاماً من القتال لم تنجح هذه الحرب في تحقيق أي من أهدافها الموعودة، فلا هي تمكنت من تفكيك المجاميع الارهابية ولا استطاعت تدمير حركة طالبان، كل المعاناة والهدر الهائل في الثروات التي سببتها الحرب ستنتهي أخيراً بعودة طالبان الى موقع السلطة واغتنام المجاميع المتخندقة في اجزاء من آسيا الوسطى الفرصة للعودة بقوة الى افغانستان.                        
تدور في افغانستان رحى حربين معاً، الأولى نفذتها الولايات المتحدة ضد خصومها في افغانستان من خلال التحالف مع طيف من المشاريع السياسية التي شملت بالطبع الحكومة الافغانية برئاسة أشرف غني، هذه الحرب هي التي تشير الولايات المتحدة الى قرب انتهائها الان، أما الأخرى فهي الحرب الأهلية المستمرة بين حكومة أشرف غني والقوات الملتفة حول حركة طالبان، وهذه حرب بين الافغان تمتد جذورها لعقود عديدة، وعندما تنتهي الحرب بصيغتها الأولى ستتواصل الحرب الاهلية، القوتان الاساسيتان في أفغانستان، وهما الحكومة وحركة طالبان، ليستا راغبتين بتشكيل حكومة وحدة وطنية او ايجاد آلية لإنهاء 
الصراع.
فشل محادثات السلام في قطر بين الاطراف ذات المصلحة، ومنها الولايات المتحدة، يوحي بأن الحرب الاهلية ستستمر، لكن الأخيرة لم تضع خارطة طريق سياسية جادة تنظم انسحابها، ومعنى هذا انها سترحل مثلما أتت وان الجنود الأميركان سيشدون الرحال فجأة مثلما جاؤوا فجأة.
الجيش الافغاني أضرّ به الضعف، وكثير من الاراضي الافغانية خرجت عن سيطرته، أما حركة طالبان فقد قضت الاشهر الأخيرة وهي تعد عدتها بانتظار انسحاب الولايات المتحدة قبل أن تعيد تصعيد هجماتها ضد الحكومة في كابول، ويفيد تقرير اعده فريق خاص وقدمه الى مجلس الامن مطلع حزيران الماضي أن تنظيم القاعدة وشبكة حقاني يستعدان لإنزال الضربة حالما تلوح الفرصة، عندئذ ستنزلق المناطق الريفية اكثر خارج سيطرة كابول لصالح طالبان وحلفائها كالقاعدة والجماعات الأخرى في المنطقة، الواثقين من النصر بحلول خريف 
2022.
لا الولايات المتحدة ولا دول آسيا الوسطى لديها الرغبة في ابقاء الوجود الأميركي الذي لم يأت بفائدة في الماضي ولا يعد بفائدة مستقبلية.
إمكانية إقليمية
مطلع حزيران الماضي عقد وزراء الخارجية الأفغاني والصيني والباكستاني اللقاء الرابع من حوارهم الثلاثي، وهذا هو أول لقاء رفيع المستوى منذ أيلول 2019 وقد حدد السياق لأهم نتيجتين: أولاً تعهدت الصين {بدور بنّاء} في تحسين العلاقات المتردية بين أفغانستان وباكستان التي زادها الصراع الاقليمي بين الهند وباكستان تأزماً، فالصين تتمتع بعلاقات وثيقة مع الحكومتين الافغانية والباكستانية، لأن مبادرتها {الحزام والطريق} تتطلب استتباب السلام في مناطق آسيا الوسطى لإنجاز البنى التحتية الجبارة والمشروع التجاري الذي يمر من ساحل الصين على المحيط الهادئ الى المحيط الهندي ومنه الى البحر المتوسط، تمتلك الصين قدرة ضغط كبيرة على هذه الدول، ولكن حتى لو تمكنت من تحقيق تسوية مؤقتة بين الرئيس الأفغاني ورئيس الوزراء الباكستاني فإن ذلك لن يحل المشكلات الأعمق، مثل الضعف العسكري الذي تعاني منه الحكومة 
الافغانية،  
ثانياً، بناء على التعاون بين هذه الحكومات في عملية مكافحة الارهاب اتفق وزراء الخارجية على العمل معاً لمعالجة التشكيلات الارهابية التي تنشط في افغانستان والدول المجاورة لها: مثل {الحزب الإسلامي التركستاني} و{الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية} و{تنظيم داعش} و{تحريكي طالبان باكستان}، تشعر الحكومة الباكستانية بالقلق من العمليات التي تقوم بها {تحريكي طالبان باكستان} على امتداد الحدود بين الدولتين من قواعدها في اقليم باكتيكا الأفغاني، أما الصين فإن قلقها يشتد من نشاط {الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية} التي لها وجود في كل من افغانستان وطاجيكستان وتسعى لزعزعة استقرار اقليم {شنجيانغ إيغور} الصيني ذي الحكم الذاتي، ولديها ارتباطات وثيقة بطالبان التي تعلم ان استغلالها علاقتها بـ{الحركة الاسلامية في تركستان الشرقية} سيمنحها قوة ضغط على الصين خلال اجرائها محادثات معها، ليس واضحاً بعد إن كانت الحكومات الثلاث ستتمكن من اضعاف هذه الجماعات، التي تحتضنها حركة 
طالبان، يبدو مستحيلاً على الولايات  المتحدة الان البقاء في أفغانستان، فالأمر ببساطة هو أن الإرادة السياسية لبقاء القوات في هذا البلد لم تعد متوفرة، حتى لو تركت الإدارة الأميركية وراءها بعض المرتزقة والقوات شبه العسكرية في افغانستان.
 
شبكة متشابكة
نظراً للضغوط الأميركية المتصاعدة على الصين هناك أدلة على ان الولايات المتحدة لن تشعر بالامتعاض من احتمال تزعزع الاستقرار الذي سيصيب قلب آسيا بعد صيف 2021، ففي العام 2003 أدرجت الولايات المتحدة {الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية} في قائمة الجماعات الارهابية، لكنها عادت فرفعتها منها خلال العام الماضي وهذا ينم بوضوح عن نوايا الولايات المتحدة تجاه قضية استقرار اقليم {شنجيانغ} الصيني.
يعتقد مسؤولو المخابرات الباكستانية ان طالبان إذا ما تمكنت من السيطرة على كابول فإن الجماعات مثل {تحريكي طالبان باكستان} و{الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية} ستكتسب الجرأة لتنفيذ الهجمات في باكستان والصين، وهم يعتقدون ان هذه الجماعات ستقاتل الى جانب طالبان لإضعاف قبضة كابول ومن ثم استخدام المناطق الريفية لشن هجماتها، أي أنه ما من ضرورة تستدعي السيطرة الفعلية على 
كابول.
يبقى السؤال المتعلق بإمكانية انقسام طالبان وتشرذمها، لأن واقع الحركة يضم تشابكا متداخلا من الحركات القومية والوطنية الافغانية الى جانب صور اخرى متباينة من الاسلام السياسي، وتضم طالبان عناصر أقرب الى التوجهات القومية والوطنية بكثير منها الى التيارات الاسلامية، لكن محاولات سلخ {المعتدلين} عن الفصائل الاخرى الأكثر تشدداً غالباً ما باءت بالفشل، وليس أوضح في هذا من فشل المناشدة التي وجهها الرئيس الأميركي السابق {باراك أوباما} في 2009 الى من اسماهم {الطالبان 
المعتدلون}.
الأمر ببساطة هو ان المجتمع الأفغاني يفتقر للقوة الكافية لمقاومة انتشار حركة طالبان، كما أن المواطنين الأفغان لم تتولد لديهم بعد القدرة التنظيمية لانشاء كتلة جديدة تقف بوجه الحكومات المتعاقبة التي دعمتها الولايات المتحدة وطالبان في آن واحد، لكن إذا ما أوقف جيران أفغانستان دعمهم لطالبان، وإذا ما كان بمقدورهم تعميق المشروع الاقتصادي (مثل مبادرة الحزام والطريق) فستتوفر لهذه الكتلة الجديدة إمكانيات النهوض، لهذا السبب يحتل الحوار بين أفغانستان والصين وباكستان اهمية مركزية، بل إنه قد يكون اكثر أهمية على المدى البعيد من الحوار مع طالبان.
 
                            عن موقع {كاونتر بانتش}