رحلة فردريكا بريمر إلى أميركا وتأثيرها في حقوق السويديات

بانوراما 2021/07/31
...

  كرستينا غادي
  ترجمة: بهاء سلمان
سافرت «فريدريكا بريمر» إلى مدن أوروبا الكبرى، لكن كان هناك شيء مختلف مع نيويورك؛ ففي خارج فندق «نزل استور» بمنطقة مانهاتن، رفرفت البيارق، وغطت لوحات ضخمة جدران المباني، ولم يبد الناس ولا العربات يتوقفون أبدا عن الحركة في الشارع جيئة وذهابا. كتبت فردريكا إلى شقيقتها أغاثا قائلة: «أنا أفكر فقط بعبور الشارع وأبقى حيّة».
كان عدد سكان نيويورك آنذاك يفوق مدينتها الأم ستوكهولم بخمس مرات، وهذا هو سبب مجيئها، فقد اعتقدت جازمة أن رحلة قصيرة إلى الولايات المتحدة ستفتح لها آفاق المستقبل.
كانت فريدريكا مسبقا تعد من مشاهير الأدب حينما وصلت إلى نيويورك شهر تشرين الأول 1849. وكانت قد نشرت أول رواية لها، «مخطوطات من الحياة اليومية»، وهي بعمر 27 سنة؛ وبعد 19 سنة، أصبح لديها 15 كتابا تحمل اسمها. كانت أعمالها تعج بنشاطات واعتبارات الشخصيات الأنثوية، وحينما ترجمت إلى اللغة الإنكليزية، تم اعتبارها بمثابة جين اوستن السويدية. وذكرتها الناقدة «هيلينا فورساس» في كتابها «الكتابة النسوية السويدية من 1850 لغاية 1995» فقالت: «لم تنجح أية رواية عائلية سابقة بدراسة جوهر الحياة العائلية مثل روايات فريدريكا.» كما امتلكت رواياتها أيضا عنصرا هداما، في همسة تنادي بحقوق النساء خلال زمن كانت لا تتمتع فيه المرأة السويدية إلا بحقوق وفرص قليلة؛ لتتعالى الهمسة أكثر فأكثر.
ومن عمر مبكر، علمت فردريكا، أحد سبعة أشقاء، أنها لن تتلاءم مع ما يتوقعه المجتمع لما يجب أن تكون عليه المرأة. كان والدها يمتلك مسبكا للمعادن، وينحدر من خلفية ارستقراطية، واستقدم معلمين خاصين لتعليم أطفاله. ولكونها تنتمي لطبقة راقية، كان يتوقع لفردريكا أن تتزوّج وتنجب وتصير أما، لكنها وجدت الحياة الأسرية خانقة. ومع ذلك، حرمتها قوانين البلاد آنذاك من بعض الخيارات الأخرى، فمع كونها عزباء، لم يكن بوسعها إدارة شؤونها المالية، والزواج من دون موافقتها، ودخول مؤسسات التعليم العالي أو ولوج عالم السياسة.
 
إقناع منطقي
بدأت فردريكا بتوظيف الكتابة للتعبير عن أفكارها حول مكانة المرأة. وعندما كانت بعمر 27 سنة، كتبت ردا على موعظة ألقاها رئيس أساقفة السويد، متحدّية فكرة أن النساء لا يصلحن إلا لدور الزوجة والأم فقط. ركزت خلال ردها، الذي لم ينشر خلال حياتها، على أن النساء غير المتزوجات لهن قدرهن المهم أيضا. في روايتها «عائلة الكولونيل»، المنشورة سنة 1830، كانت البنت الصغرى، التي اعتبرت غير صالحة للزواج، تمتلك حرية التعبير عن نفسها فنيا وفكريا. عرضت روايات فردريكا «تحقيقا بعيد المدى لما تحتاجه النساء لأجل التطوّر وتحقيق الإنجاز، فكريا وعاطفيا على حد سواء،» بحسب فورساس. وتمكّنت فردريكا في نهاية المطاف من السيطرة على شؤونها المالية، غير أنها لم تحسن النظام بشكل إجمالي للنساء.
ومع إجادتها اللغة الانكليزية بطلاقة، أمضت فردريكا سنتين تجوب الولايات المتحدة، ساعية وراء تجربة أميركية كاملة. إلتقت شخصيات عديدة من طبقة النبلاء؛ كما تحدثت مع نساء أميركيات مستعبدات من ذوات الأصول الأفريقية، ونساء مسجونات، وعاملات بالمصانع، وفتيات يعشن في ملجأ للأيتام. وكتبت رسائل صريحة لشقيقتها أغاثا أثناء رحلاتها. ولم يسمح للنساء في السويد من ممارسة مهن عديدة، فقد فرضت الحكومة المركزية تحكما صارما بمن يستطيع أن يصير طبيبا، على سبيل المثال. وغبطت فردريكا الأميركيات المشتغلات اللاتي التقتهن، خصوصا الطبيبات.
لم تتهرّب فردريكا بالكامل من تقاليد زمنها، فقد رأت الأميركيات العاملات كنساء قويات وموهوبات، لكنها تراجعت إلى النماذج النمطية الخاصة بالأنوثة. وكانت آراؤها عن الأميركيات الأفريقيات معيبة للغاية أيضا، فرغم انها تحدثت بحماس كبير عن زيارتها لكلية اوبرلن، حيث يحضر الطلبة السود والبيض المحاضرات الدراسية سوية، ومع إيمانها بإلغاء العبودية، كانت لا تزال تحمل وجهات نظر عنصرية متأصلة حيال الأميركيات الأفريقيات.
 
تجربة واسعة
بشكل أساسي، اعتقدت فردريكا أن بمقدورها كتابة رواية حول تجربتها عن «العالم الجديد»؛ لكن في النهاية، ما رصدته كان هائلا للغاية، ودقيقا جدا في درجات الاختلاف، ويعج تماما بالمتناقضات. كتبت في مقدمة كتاب «ديار العالم الجديد: انطباعات عن أميركا»، والذي إحتوى على 1854 رسالة أرسلتها إلى أختها، التالي: «لا يمكن ضغط حقائق بلادكم الرائعة إلى رواية ما».
ألهمت النساء الاميركيات اللاتي إلتقتهن فردريكا رواية أيضا، حملت اسم «هيرثا»، نشرت عام 1856. وتجاهد الشخصية الرئيسية للرواية، وهي ناشطة نسوية سويدية، على موضوعي استقلال المرأة المالي والتعليم. كانت الرواية بمثابة قنبلة، فقد صارت فردريكا مشهورة بما يكفي خارج البلاد لدرجة نشر الرواية باللغتين السويدية والانكليزية بالوقت نفسه، ودخلت معترك النقاش حول تيار الحركات النسوية.
وشهدت السنين العشر التالية لنشر «ديار العالم الجديد» و»هيرثا» تطوّرات كبيرة لحقوق المرأة في السويد. وبحلول سنة 1863، كان بمقدور المرأة أن تصير معلّمة، وتمارس مهنة الطب والتمريض، مع تمكينها من إدارة شؤونها المالية حينما تبلغ سن الخامسة والعشرين. ورغم كون هذا جزءا من حركة أكبر لاستقلال النساء، تعتقد «سيربا سيلانوس»، الاستاذة في جامعة ايسترن فنلاند، بفرض فردريكا لتأثير على الحركة النسوية داخل البلاد، فقد جعلت قراءها لا يدركون فقط قدرات النساء، بل وما يتعرضّن له من إحباطات ومشكلات أيضا. 
وبوسيلة ما، فتحت أعين جمهورها على أن ربما ما يحدث للنساء سببه رجال السياسة، وفقا لسيلانوس. ويبقى إرثها حيّا، فعندما ناضلت النساء السويديات من أجل حق التصويت، وضعن فردريكا كملهمة لهن. اليوم، تعد جمعية فردريكا بريمر المجموعة الأقدم في السويد لحقوق المرأة، وتتصدر السويد قائمة الاتحاد الأوروبي الخاصة بالمساواة بين الجنسين.
 
مجلة أوزي الأميركية