البعد الإقليمي لانتصار متمردي إثيوبيا

بانوراما 2021/07/31
...

  ترجمة: خالد قاسم
عندما يكتب تاريخ الحرب الأهلية الحالية في إثيوبيا، ستذكر معارك حزيران الماضي بأنها أحدى أكبر انتصارات المتمردين خلال السنوات الأخيرة. ويوضح التاريخ كيف أن مجموعة من مسلحي جبال إقليم تيغراي الشمالي الإثيوبي دحرت إثنين من أكبر جيوش أفريقيا، الإثيوبي والإريتري، واستعادة السيطرة على عاصمة المنطقة «ميكيلي».
 
فمع غروب شمس يوم 28 حزيران، وبعد سبعة أشهر على إعلان رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد النصر على الحزب الحاكم في تيغراي وسيطرة قواته على ميكيلي، خرج سكان الاقليم للشوارع محتفلين بهروب قوات أديس أبابا. أما المسؤولون الذين عينتهم حكومة أحمد لإدارة الإقليم فغادروا مسرعين كما لو أنهم يغادرون مسرح جريمة. 
تسجل إعادة السيطرة على ميكيلي نقطة تحول في حرب مليئة بالفظاعات كان رئيس الوزراء يظن أنها ستستمر أسابيع قليلة فقط. ولم تكتف الهزيمة بإفساد محاولات آبي أحمد لإخضاع الإقليم إليه بقوة السلاح، بل تهدد أيضا بتمزيق الاتحاد العرقي المضطرب الذي يشكل ثاني دولة أفريقية من حيث السكان.
بدأ القتال في تيغراي أواخر العام الماضي وسط صراع سلطة بين حكومة أديس أبابا وحزب جبهة التحرير الشعبية في تيغراي الحاكمة للإقليم. وسيطرت الجبهة على الحكومة المركزية طيلة 30 سنة تقريبا حتى أطاحت بها تظاهرات 2018 وأوصلت أحمد للحكم. استحوذت الجبهة في البدء على الكثير من الأسلحة الثقيلة للجيش عبر مهاجمة قواعده في الإقليم. لكن سرعان ما مالت الكفة لصالح أحمد، وسيطرت القوات المركزية مدعومة بالقوة الجوية وجنود من إريتيريا الجارة على كبرى البلدات والمدن بسرعة.
 
تحول مفاجئ
مع ذلك، تحول القتال الى حرب عصابات طاحنة مع لجوء مسلحي «قوة دفاع تيغراي» للتلال كما فعل أجدادهم في التمرد الناجح خلال الثمانينيات ضد الدكتاتورية وكما فعل آباؤهم خلال الحرب ضد إريتيريا (1998- 2000). وحمل بعض سكان تيغراي السلاح بعد استفزازهم بسبب حالات القتل والاغتصاب التي ارتكبتها القوات الإريتيرية المتهمة من قبل الأمم المتحدة بتجويع تيغراي بهدف اخضاعها.
بحلول منتصف حزيران هبط مقاتلو قوة دفاع تيغراي من التلال بقيادة ضابط مخضرم في الجيش الإثيوبي، كان قائد القوات خلال الحرب مع إريتيريا، وأطلقوا «عملية ألولا» وهو اسم جنرال من القرن التاسع عشر. لم يصدق كثيرون الجبهة في البدء عندما إدعت أنها هزمت عدة فرق إثيوبية وإريترية وأخذت آلاف الأسرى عبر سلسلة معارك على الطرق المؤدية الى ميكيلي. وأكدت الحكومة الإثيوبية سيطرتها الكاملة على المنطقة وتطهيرها مقاومة متقطعة. لكن الحقيقة إنكشفت عندما غادرت القوات الإثيوبية ولم تتوقف إلّا لتفكيك معدات الاتصالات ومداهمة مكتب الأمم المتحدة.
مع تدافع قوات إثيوبيا وإريتيريا للانسحاب، أعلنت الحكومة المركزية وقف اطلاق نار من جانب واحد يوم 28 حزيران، ظاهريا لأسباب انسانية، والأرجح أنها كانت محاولة لتغطية هزيمة قواتها ومنحها الوقت للتراجع (قبل أيام قليلة من ذلك أبلغ نائب رئيس وزراء إثيوبيا السفراء الغربيين وللمرة الأولى أن حكومته أرادت وقف اطلاق النار ومحادثات سلام).
عموما، لا تبدو قوة دفاع تيغراي بوضع يجبرها على القبول بوقف اطلاق النار، ووصف المتحدث بإسمها مبادرة الحكومة بأنها «نكتة قبيحة» وقال أن قواته مستمرة بمطاردة قوات «العدو». وهدد قادة تيغراي بالقتال شمالا نحو أسمرة عاصمة إريتيريا، وغربا باتجاه الحدود مع السودان، بهدف طرد مسلحي «أمهرة» المحتلين، ويبدو أن مسلحي تيغراي يحكمون سيطرتهم على معظم مناطق إقليمهم.
يجب أن تكون أولوية كل الأطراف ضمان وصول منظمات الإغاثة الى تيغراي، حيث يواجه مليون شخص خطر المجاعة بسبب عجزهم عن زراعة المحاصيل وعدم سماح قوات إثيوبيا وإريتيريا بوصول إمدادات كافية من الغذاء. مع ذلك، سجلت مجموعة الأزمة الدولية نية مسؤولين بحكومة آبي أحمد للاستمرار بمحاصرة تيغراي، والسماح بوصول كميات قليلة فقط من المساعدات. وإذا حصل ذلك فقوات دفاع تيغراي قد تكسر الحصار للوصول الى الحدود السودانية أو محاولة إسقاط حكومة إريتيريا.
 
الاحتكام للعقل
الأمر المفرح أن آبي أحمد سيكسب الكثير برفع الحصار وبدئه المحادثات، أي أكثر من رفاهية سكان المنطقة. وتساعد المحادثات بإصلاح علاقاته مع الحكومات الغربية، والتي يحتاج دعمها لإعادة بناء بلاده وإعادة النمو الاقتصادي السريع. وإعترفت الحكومة الإثيوبية أنها أنفقت نحو ثلاثة مليارات دولار على الحرب. وطالبت أميركا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بإيقاف المساعدات الاقتصادية بسبب مخاوفها من ارتكاب جرائم حرب. وضغطت واشنطن على دولة الإمارات، الداعمة لحكومة أحمد، بعدم مساعدته.
يشعر الدبلوماسيون بالقلق من مخاطر امتداد الصراع خارج حدود تيغراي، وقد يشعر رئيس إريتيريا أسياس أفورقي بالندم على قراره بمشاركة قوات بلاده في الهجوم على تيغراي، وذلك لتسوية حسابه مع جبهة التحرير الشعبية التي أذلته بحرب الحدود، وهزيمة قاسية أخرى على يديها من غير المرجح أن تعزز قبضته على السلطة.
يشعر مسؤولون غربيون بالقلق أيضا من تدهور علاقات إثيوبيا مع السودان، وهناك مناوشات بين جيش السودان من جهة وجيش إثيوبيا ومسلحي أمهرة وبعض القوات الإريتيرية من جهة ثانية منذ أواخر العام الماضي على منطقة زراعية حدودية متنازع عليها وعلى سد جديد قيد الإنشاء عند نهر النيل الأزرق في إثيوبيا. وفي خطابه الأخير، قال أحمد إن أحد أسباب انسحاب قواته من تيغراي هو اعادة توجيه اهتمامها نحو الجبهة السودانية.
مع ذلك، يعد مصدر القلق الأكبر لدى المسؤولين الغربيين هو استقرار الاتحاد الإثيوبي العرقي الهش. ومع أن قادة جبهة التحرير الشعبية لم يدعوا حتى الآن للانفصال، لكن كثيرين من شباب تيغراي يؤيدونه بشكل واضح. 
 
مجلة إيكونومست البريطانية