أنتويرب وطوكيو.. جائحتان وتأجيل وتاريخ يعيد نفسه

بانوراما 2021/08/03
...

 كيث راثبون
 ترجمة: ليندا أدور
منذ بداية تفشي الجائحة، والجدل محتدم بشأن اذا ما كان على طوكيو المضي في إقامة دورة الألعاب الأولمبية، وفي النهاية تم افتتاحها مؤخرا في 23 تموز الماضي، فقبل أكثر من قرن تقريبا كان هناك تردد في المناقشات الساخنة ذاتها عن امكانية إقامة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في أنتويرب للعام 1920 والتي أقيمت في أعقاب جائحة الأنفلونزا الإسبانية العالمية آنذاك. 
اعتقدت اللجنة الأولمبية الدولية IOC، حينها وبشدة، ان الألعاب الأولمبية ستسهم في توحيد العالم من جديد، ليس بعد أن ضربت جائحة الانفلونزا الإسبانية العالم وأودت بحياة ما لا يقل عن 50 مليون شخص فحسب، بل إنها أتت بعد اضطرابات الحرب العالمية الأولى.
فبعد مرور ستة أشهر فقط من الهدنة التي أنهت القتال، دعا بيير دي كوبرتان، مؤسس الألعاب الأولمبية الحديثة ورئيس اللجنة, الى جلسة استثنائية تم خلالها منح شرف تنظيم دورة أولمبياد 1920 الى أنتويرب تقديرا لمعاناة بلجيكا.
 
شعار الحلقات الخمس
رغم حماس اللجنة الدولية إلا أن المخاوف من عودة تفشي الوباء، ظلت تطارد المنافسات، لكن تشير السجلات التاريخية الى أن لم يكن للفيروس تأثير مباشر على الحدث نفسه، لكن، يبقى التخطيط لإقامة الأولمبياد بعد الحرب والوباء، لم يكن بالأمر الهين على البلجيكيين المرهقين والذين يعانون نقصا في الموارد.
لم تدخر اللجنة الدولية جهدا للترويج على ان هذه الأولمبياد هي احتفاء بالسلام، فأنتويرب، هي أول دورة ألعاب أولمبية، ترفع شعار الحلقات الخمس المتشابكة الشهيرة، التي صممت لتمثل {وحدة القارات الخمس ولقاء الرياضيين من مختلف أنحاء العالم في مكان واحد}. لكن فكرة {الروح الأولمبية} ظلت بعيدة عن تعزيز السلام بعد الحرب، ولم يؤيدها الجميع وخاصة “إير كرو” وكيل وزير الخارجية البريطاني، حين وصفها بالمهزلة الدولية، مؤيدا المسؤولين البريطانيين المعارضين لتمويل الفريق الأولمبي البريطاني.
خلال حفل الافتتاح، أطلق منظموها طيور الحمام في الهواء، كما أقاموا قداسا دينيا تخليدا لذكرى الرياضيين الذين قتلوا أثناء الحرب، ولعب المسؤولون العسكريون دورا في تنظيم وإخراج الحدث، اذ وصل الفريق الأميركي الى أوروبا، في اللحظات الأخيرة، عبر النقل العسكري. 
مثل أولمبياد طوكيو، واجه كوبرتان واللجنة الدولية ضغوطا كبيرة لضمان إقامة أولمبياد أنتويرب، رغم جميع التحديات والظروف الصعبة. فبعد توقف دام ثماني سنوات، بعد دورة الألعاب الأولمبية عام 1912، أدرك كوبرتان أن استضافة هذه الأولمبياد كان ضروريا للدفاع عن مركزهم كأول منافسة رياضية دولية.
في 14 آب 1920، افتتحت دورة ألعاب أنتويرب الأولمبية بمشاركة أكثر من 2600 رياضي يتنافسون فيها، حقق بعضهم نجاحات بارزة، من بينهم السباح الهاوايي- الأميركي، ديوك كاهاناموكو، الذي فاز بالميدالية الذهبية، وسجل رقما قياسيا جديدا في سباق 100 متر حرة. لكن جودة المنافسة كانت قد انخفضت بشكل ملحوظ وكبير، وربما كانت الحرب هي السبب، فقد توفي، خلالها، العديد من النجوم الرياضيين أو عادوا وهم يعانون من الإصابة التي حرمتهم القدرة على المنافسة، إذ فقد الفريق البريطاني العديد من نجوم الساحة والميدان، مثل جيرالد اندرسون وكينيث باول وهنري أشينغتون، في حين توفي آخرون بسبب الإنفلونزا الاسبانية، ومنهم مارتن شيريدان، الحائز على الميدالية الأولمبية تسع مرات. 
 
سمكة سردين 
أعداد المشجعين، كانت، هي الأخرى، أقل من توقعات المنظمين، اذ لم يكن السكان المحليون قادرين على تحمل التكلفة الباهظة للتذاكر، ما أدى الى خسارة بلجيكا لنحو 600 مليون فرنك بسبب الفوائد المحلية المنخفضة، وفي غضون ثلاث سنوات، أَعلن عن إفلاس اللجنة الأولمبية البلجيكية. ويمكن أن يفسر فشلها المالي بسبب الاندفاع في استضافة الدورة، فقد تلاشت مخصصات الحكومة البلجيكية لتمويل المنافسات والبالغة أربعة ملايين فرنك. صعوبات مشابهة واجهتها اللجان الأولمبية الأميركية والبريطانية والفرنسية، والمتمثلة بجمع الأموال اللازمة لإرسال الرياضيين الى بلجيكا، فبعد الحرب، ووسط ركود اقتصادي عالمي، كان لدى القلة القليلة فقط من الحكومات القدرة على الإنفاق على الرياضة. 
بلجيكا، التي تعاني ضائقة مالية، كانت بالكاد مستعدة لاستقبال الرياضيين وعدد كبير من المشجعين، فقد وصف الرياضي الأميركي ولكر سميث، لاعب الساحة والميدان، {النوم على أسرّة خفيفة نقالة من دون مراتب} داخل مهاجع تأوي 10 الى 15 رجلا في الغرفة الواحدة. كان هذا الوضع الكئيب يسري على الطعام أيضا، فما كان يمنح للرياضيين عند الإفطار هو فقط قرص خبز وقهوة و{سمكة سردين صغيرة}، فقد أُرغموا على شراء طعامهم بأنفسهم، اذ كانت بلجيكا تتلقى المساعدات بسبب النقص في الغذاء.
 
قضية نبيلة
أما المنشآت الرياضية، فكانت هي الأخرى في حال كارثية، كان بناء الملعب الجديد بالكاد قد انتهى قبيل بدء المنافسات، اذ لم يكن ميدان السباقات قد اكتمل، وغالبا ما كانت تجرى في ظروف موحلة. أما السباحون، فقد واجهوا ظروفا أصعب للغاية، فلم يبنِ البلجيكيون حوض سباحة، وإنما قاموا ببناء إطار خشبي وسط مجرى مائي موجود في الأصل. 
تستذكر أيلين ريجين، الحائزة على الميدالية الذهبية بفعالية القفز من ارتفاع ثلاثة أمتار للسيدات، الغوص في القناة، التي كانت جزءا من دفاعات المدينة القديمة، والغطس في مياه تمارس فيها جميع الرياضات البحرية. ومع كل تلك الصعوبات، أعلن البلجيكيون نجاح الأولمبياد، في حين وصفها تقرير اللجنة الدولية بأنها {قضية نبيلة}. لكن، في غمرة اندفاعها لاستضافة ألعاب 1920، ارتكبت اللجنة الدولية، ومنظمو الدورة المحليون أخطاء فادحة كان بالإمكان تفاديها، لكن، لسوء الحظ، فإن التاريخ الطويل للأولمبياد المسيسة والباهظة، أظهر أن بعضا من تلك الأخطاء محكوم عليها بالتكرار.
 
*موقع ذا كونفرزيشن