الوشم.. هل هو موضة أم تعبير عن هوس بالحرية؟

ريبورتاج 2021/08/04
...

 مصطفى صفاء 
انتشرت ظاهرة الوشم وبشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وفي مناطق مختلفة من الجسد بين أوساط متعددة، حتى باتت هوساً يزداد الإقبال عليها من كلا الجنسين كدليل على الحرية ومواكبة الموضة، وانتشرت في بغداد صالونات ومراكز الوشامين الذين يمارسون مهنتهم بعيداً عن أجهزة الرقابة الصحية، وعلى الرغم من اتساع الظاهرة إلا أن المجتمع العراقي ما زال يعدها من السلوكيات الدخيلة وغير المرغوب فيها.
  وسلطنا الضوء على هذا الحدث فكانت وقفتنا الأولى مع المواطن باسم علي (30عاماً) الملقب بـ(ملك التاتو) الذي يمتلك محلاً لعمل ورسم الوشم في منطقة الاعظمية، اذ قال «هذه الظاهرة ليست غريبة على المجتمع العراقي وإنما الرسوم والأشكال التي انتشرت بعد عام (2003) جلبت معها تغييرات بين صفوف الشباب كالتأثر بالفنانين والرياضيين الأجانب أو رسم اشعارات للأندية الرياضية، مثل: «برشلونة، ريال مدريد، وغيرهما من الأندية». 
وهذه حرية شخصية وليس لها تأثير في المجتمع ونحن لدينا دليل أو كتلوك للرسومات والأشكال المختلفة، أما الزبائن الذين يترددون على المحل فمن مختلف الأعمار وتتراوح بين  18 إلى 40 سنة، وشهدت هذه المهنة رواجا ما ساعد على انتشار المحال والمراكز التي تعمل الوشم في «الاعظمية، المنصور، شارع فلسطين، شارع السعدون، الكرادة»، والكثير من مناطق بغداد والمحافظات
الأخرى». 
 
عملية الوشم
 بينما قال المواطن سعد محمد (27عاماً): «يختلف الوشم والطريقة التي يعد بها، فمثلا هناك وشم مؤقت وآخر دائمي يبقى للأبد من خلال استخدام آلة كهربائية خاصة تتكون من قضيب متصل بوحدة تذبذب، وهذه الوحدة تقود الإبرة داخل الجلد وخارجه بسرعة كبيرة تقدر بحوالي (80) إلى (150) مرة بالثانية وبعدها ينظف الجلد ويعقم ويتم إعطاء الموشوم كريما خاصا يضعه على الجرح ليندمل بسرعة، أما الأسعار فتختلف حسب نوع الوشم، اذ تصل تكلفة الوشم الواحد الى (100) او (150) ألف دينار وحسب الألوان المستخدمة».
رموز وطقوس
وأفاد الدكتور محمد الكناني أستاذ الرسم في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد قائلا: «لم يكن التاتو أو ما يشاع عنه الوشم جديدا، فقد عرفه الإنسان منذ القدم من أجل التمايز، وكنوع من طقوس سحرية وعادات وتقاليد مرتبطة بالبيئة، ويوضع الوشم في مناطق محددة من الجسد وأحيانا هذا الوشم يمثل منطقة أو عشيرة او علامات خاصة بالمركز الاجتماعي الذي ينتمي إليه صاحب الوشم». 
وأضاف الكناني «يختلف الوشم من منطقة إلى أخرى وحسب طبيعة التقاليد العرفية، ويعد نوعا من الطقوس المقدسة للهنود الحمر وحضارة المايا، والفراعنة والوشم بمثابة هوية تعريفية لكل شخص في تلك الحضارات، فالنساء المتزوجات لهن رسوم تشير إلى انهن مرتبطات، والمحارب له رموز خاصة من اجل التميز وبعضها تدل على القوة والشجاعة وأخافت الأعداء، وإلى يومنا هذا يعتبر كل رسم أو وشم له قصة أو حادثة معينة في حياة الفرد وخاصة في أوروبا وأميركا».
 
عادات وتقاليد أم مرض نفسي؟
وبين زيد محمود الدكتور في علم النفس ان «عشاق الوشم فخورون بأنفسهم كثيراً، فقد اتخذوا قرارهم بوشم أجسادهم، ويودون أن يعلنوا بفخر أنهم يفعلون ما يودون فعله، إنهم أشخاص عاديون، إلا أن لديهم إحساساً كبيراً بذواتهم التي لا يرغبون بإخفائها، كما أنهم لا يكترثون بالرأي العام، ولديهم الرغبة بان يعرف الاخرون ما يؤمنون به، إن من يتعمق بالجانب النفسي لأولئك الذين يضعون الوشم، يتراءى له أن هؤلاء يعانون إلى حد ما من مشكلات ذهنية، وسينظر إليهم بالطريقة التي ننظر فيها إلى حيوانات غريبة محبوسة في قفص، فهم يودون التمتع بروح الحريّة، وقد وشموا أجسادهم ليتذكروا شخصاً عزيزا على قلوبهم، أو للإشارة إلى دين ما أو قبيلة، أو ببساطة يظهرون معتقداتهم السامية، وإذا ما تعمقت قليلا في المعاني التي تحملها تصاميم الوشم، ستفهم لماذا يرسمونها على أجسادهم ويبرزونها أيضا، ان علماء النفس الذين يحاولون وضع أنفسهم في موقع الرجال والنساء الموشومين، يخفقون في عمل ذلك باغلب الأحيان، لأنهم يعانون من عقبة ذهنية تشكلت عبر قرون، تلك التي ربطت الوشم بالمجرمين والقتلة، ولكن على الرغم من أن المجرمين اعتادوا عليه حقاً، ولا يزالون يضعون الوشم إلا أن هذا لا يمنع من أن يكون واضعو الوشم من بين الناس الأكثر ودا ولطفا في العالم، وتم النظر إلى الوشم بشكل دائم من وجهة نظر سيكولوجية، فأولئك الذين يجهلون اسبابه، سينظرون إليه على أنه نوع من الاضطراب الذهني، علماً أن الذين يضعون الوشم لديهم في الحقيقة أسبابهم القوية
لوضعه».
 
عدوى وأمراض انتقالية
هل يمكن أن يكون للوشم مضار، هذا ما أكده الدكتور المختص بالأمراض الجلدية معن الخياط قائلا: «مخاطر الوشم كثيرة، لأنه ناقل وخاصة على الجلد، اذ غالبا ما يتم عمل التاتو من خلال حقن المادة الملونة بالإبرة، وقد تستخدم إبرة واحدة لعدة أشخاص ما يؤدي إلى نقل العدوى من الأشخاص المرضى أو ممن يحملون الامراض، مثل: «الايدز أو التهاب الكبد الوبائي».
وأضاف الخياط ان «معظم من يقومون بعمل الحقن والألوان غير مؤهلين طبيا لحماية الصحة العامة، ما يسهل انتشار العدوى، فمنهم من يجيد الرسم والتلوين ولكن لا يعرف شيئا عن المخاطر الصحية لما يقوم به من عمل، وان المواد المستخدمة شديدة الحساسية، فهي مواد كيميائية تسبب الحساسية، والتهيجات، والتشققات الجلدية، والبعض منها يسبب أمراضا سرطانية، وقد تؤدي إلى الأمراض الجلدية التي يصعب الشفاء
منها».