موجة العمارة الأيقونيّة

بانوراما 2021/08/07
...

  روان موور   
  ترجمة: مي اسماعيل
على الحدود الحضرية لمدينة غوانغتشو يقوم مسرح سوناك الكبير ذو الألفي كرسي؛ في منطقة تحفل بالأبراج الجديدة الخام والأشباح الريفية التي غادرت لتوها. مسرح مصمم ليبدو وكأنه دوامة من الحرير الأحمر، مطبوع عليه «وشوم» طائر الفينيق واللقالق وطيور أخرى. 
يقول وصفه التعريفي إنه يُصوّر دور غوانغتشو التاريخي كونها «موطن ولادة طريق الحرير على البحر»، وهو اعلان حضور شيء ما حيث لم يكن سابقا من شيء؛ إعلان ثلاثي الأبعاد لمدينة «سوناك وانداSunac Wanda»  السياحية الثقافية الضخمة التي هي جزء منها.. فهل هو مبنى افتراضي أم حقيقي؟ إنه حقيقي.. يدخل هذا المسرح ضمن ملف ذهني طافح بمشاريع منها ملعب لكرة القدم (يقال إنه الأكبر في العالم) قيد الإنشاء في ذات المدينة على شكل زهرة لوتس عملاقة. هناك أيضا مركز «زينداي هملايا» في نانجينغ؛ وهو مركز حضري ذو استعمال مختلط (سكني- تجاري- ترفيهي- ثقافي) مصمم لمحاكاة سلسلة جبال، على مساحة نحو 560 ألف متر مربع، وصِفَ بأنه يتبنى «روح شانشوي الصينية التقليدية من الانسجام الروحي بين الطبيعة والبشرية وينقلها إلى البيئة الحضرية الحديثة». هناك مبانٍ أُخرى تجتذب الانتباه: زوج من ناطحات السحاب الشاهقة في شينزين؛ تذوب أجزاءها السفلية الملتصقة في شرفات مليئة بالأشجار وزجاج متموج، وأبراج رباعية ملتوية مكسوة بالألمنيوم في قطر، وأبراج شقق في فانكوفر مثل رؤوس التوليب المستندة على سيقان ضيقة. أصبحت مبان غريبة وجميلة «تنبع» بسرعة في الصين ودول غيرها؛ تسوقها رغبة المدن لاكتساب بصمة متميزة في عالم مليء بصور تبهر الأعين. 
 
 شغف الإبهار البصري
تحمل تلك المباني خصائص مشتركة؛ مثل التصميم الذي يجذب العين وأشكال معمارية منحنية تبرز بحكم كونها آخر الأشكال التي قد تتوصل إليها إذا كنت مهتما فقط بالجوانب العملية للتصنيع والتجميع والهندسة. هناك استخدام معلن وغير خفي للرمزية الطبيعية والثقافية: زهور اللوتس، جبال الهمالايا، الحرير، وشانشوي (shanshui =  ماء الجبال، تعبيرا عن الطبيعة).. وهناك شغف لوضع الأشجار في الهواء؛ مع عدم اهتمام بالتساؤل ما إذا كانت أصص الزرع التي يبلغ ارتفاعها عدة طوابق ستقدم تجربة مماثلة للطبيعة في حديقة على الأرض.. لقد باتت الأشكال والصور كل شيء. تدفع تلك الأشكال حدود الإمكانيات التكنولوجية أحيانا، لأبعد مما كان يُعد سابقا مناسبا أو خاضعا للذوق العام.. انهم ينفذون ما ينفذون لأن باستطاعتهم تنفيذه، وهناك مصطلح قديم يصف مشاريع كهذه: العمارة الأيقونية؛ الذي بات متداولا خلال العقدين الأخيرين على الأقل. عند بدء القرن الحالي كانت هناك موجة الابهار في دبي؛ جزر النخلة ومباني الشراع وفنادق السبع نجوم وأطول مباني العالم؛ وهي انجازات لم يجر التغلب على بعضها حتى الآن. اللافت في الأمر هي الطريقة التي تستمر بها تلك المباني بالظهور؛ كماً ومقياسا؛ وفي مناطق كثيرة من العالم. لقد جرى الإعلان أن العمارة الأيقونية فاقدة للرونق ومملة طوال فترة وجود المفهوم تقريبا؛ لكن هذا المفهوم لم يختفِ.. وبات غير المألوف هو الأمر الطبيعي الجديد.. أو فعليا- غير الجديد.
العوامل الأساسية جزئيا هنا هي تلك التي دفعت العمارة دائما للبحث عن لفت الأنظار، وما مسرح سوناك سوى حبة كرز في إبريق كوكتيل واسع من المتنزهات الترفيهية ومنحدرات التزلج الداخلية وركوب المياه وما شابه ذلك، هي بمجموعها مدينة سوناك واندا للسياحة الثقافية. تتضخم هذه العمارة أيضا بفعل التكنولوجيا؛ بالبرامج الحاسوبية التي تُمكّن المعماريين من تصور الأشكال المعقدة والمهندسين من إعداد حساباتها، ومن خلال تقنيات التصور الفوتوغرافي الواقعي التي تجعل المشروع يبدو ماديا قبل أن يُصبح كذلك، وبواسطة تقنيات التشييد التي تحول الأشكال الغريبة الى واقع، وأخيرا- بوجود سوق الصور العالمي المزدحم على الانترنت.
 
مشاريع «الخط الواحد»
يتحدث المعماري «ستيفن شيلتون» (ومقره لندن)، مصمم مسرح سوناك غوانغتشو، بوضوح عن وظيفة تصميمه: «إنه مسعى تجاري للغاية؛ لفتة رمزية شعبية نوعا ما؛ يأمل الزبون أنها ستروق للجمهور الواسع الذي يرغب أن يدخلوا ضمن مسار تنميته». تحقق التصميم عبر عملية متعِبة للتطوير عالي السرعة؛ حيث يُطلب من عدد من المكاتب المعمارية التقدم بأفكار ثم تطوير مجموعة مختارة ضمنها، ليتم اختيار فائز نهائي منها؛ كل ذلك خلال نحو ستة أسابيع. يمضي شيلتون قائلا: «هذا ما عليك تقديمه؛ ((فالمعماري)) جزء صغير في آلة صناعية كبيرة». اضطر شيلتون أيضا للعمل ضمن ميزانية مقيدة؛ وهو ما لم يواجهه تصميم برج «سي» (وارتفاعه 400 متر) في شنزشن لمكتب «زهاء حديد»؛ لكنه يعترف أن كلا المشروعين هما ضمن لعبة الترويج الذاتي.
تعمل العديد من المكاتب المعمارية التي أعدت هذه التصاميم من بريطانيا ودول أوروبية أخرى؛ وقد تدرب معماريوها (ومنهم شيلتون) في مكاتب معمارية أوروبية. عمل شيلتون في مشروع «عين لندن» (دولاب الهواء العملاق في العاصمة البريطانية. المترجمة) وصمم ديكورات مسرحية مبهرة لعروض كبار الفنانين. والاستثناء الوحيد (تقريبا) المعماري «ما يانسونغ» مصمم مركز زينداي هملايا (مكتب ماد للعمارة) المولود في بكين. لكن أوروبا ليست بالأرض الخصبة لتلك الأيقونات المفرطة كما هو حال دول أخرى؛ إذ تتم عمليات الشراء والاستشارات والتخطيط بشكل أبطأ، ويصعب «تجميع» المواقع الضخمة ذات المالك الفردي التي نجدها في الصين. يقول شيلتون إن بناء مسرح بحجم سوناك قد يستغرق.. «ثماني الى عشر سنوات؛ وهذا أفضل.. نوعا ما». 
بعد أن كانت من أوائل المتبنين لفكرة الأيقونات الضخمة (بمشروع عين لندن)؛ أصبحت العاصمة البريطانية الآن أكثر حذراً من تلك المشاريع، وباتت تدقق وتعارض منذ مرحلة التخطيط. هذا النوع من المشاريع يعارض أيضا المفاهيم التي تدرب عليها العديد من المعماريين الأوروبيين؛ إذ جرى تحذيرهم (وهم طلبة) من أفكار «الخط الواحد»؛ الفكرة المغرية التي لا تسمح بالمزيد من التعمق أو التعقيد في المشروع. بات هذا النوع من المشاريع ما يرغب به الزبون في أنحاء العالم الآن؛ لذا يشعر شيلتون بحساسية بالغة تجاه اتهامات بفظاظة تلك التصاميم؛ لكنه يؤكد تقديمه لمشاريع ذات نهج أكثر دقة وتجريدية، قائلا: «تتغير الأذواق بسرعة، وتنمو ثقافة السكان بإطراد». 
يمكن القول أن الشكوك تجاه تصاميم الخط الواحد الأيقونية أمر واقعي؛ فقد تكون أقل بهجة للنظر مما كانت عليه في الرسوم التصويرية، وتواجه أسئلة صعبة حول الاستدامة وعلاقتها بالمحيط الحضري. وبعد الابهار الأولي للشكل لا تقدم الا القليل لإغناء التجربة؛ وهذا الجانب يعني بالنسبة للمشاريع المقامة داخل النسيج الحضري الرئيسي أكثر مما يعنيه لمشروع مثل مسرح غوانغتشو؛ الذي لا يدعّي كونه أكثر من خيمة عرض دائمة.
 
صحيفة الأوبزرفر البريطانية