غواصات ألمانية جديدة لتركيا تغضب اليونان

بانوراما 2021/08/08
...

 ترجمة: خالد قاسم
 
يتخذ مستقبل البحرية التركية شكله ببطء على الساحل الجنوبي لخليج إزميد في حوض غولكوك لبناء السفن، إذ هبطت بالماء أولى ست غواصات ألمانية التصميم وكانت قد خرجت من الرصيف في آذار، وتنضم هذه الغواصة للأسطول العام المقبل وتتبعها خمس غواصات من الطراز نفسه خلال سنوات متتالية. ويعد ذلك نصرا للبحرية التركية، ومصدر قلق لليونان.
مع أن تركيا واليونان تنتميان لحلف الناتو، لكنهما تصارعتا طيلة العام الماضي في البحر المتوسط. وتصادمت سفنهما الحربية الصيف الماضي عندما أرسلت تركية سفينة مسح الى مياه متنازع عليها. ردّت اليونان بتحشيد الحلفاء في أوروبا والشرق الأوسط، واشترت عددا كبيرا من المقاتلات الفرنسية، وأعلنت في كانون الأول الماضي مضاعفة إنفاقها العسكري الى نحو سبعة مليارات دولار، ويبقى هذا الرقم أقل من نصف إنفاق تركيا، إضافة الى أن البحرية التركية أكبر حجما وأحدث، وهناك أيضا «أناضولو» حاملة طائرات خفيفة إسبانية التصميم في المراحل الأخيرة من البناء.
تزيد الغواصات الجديدة المشكلات تعقيدا، ويعد طرازها Reis نسخة من النوع «214» الألماني، وتستخدمه القوات البحرية للبرتغال وكوريا الجنوبية واليونان نفسها. ومن أهم مميزاته «الدفع المستقل عن الهواء» ويسمح للغواصات بالعمل من دون الحاجة للهواء الذي يتطلبه محرك 
الديزل. 
وتستطيع الغواصة التقليدية التي تعمل بالكهرباء والديزل البقاء تحت الماء ليومين أو ثلاثة، أما الغواصات المجهزة بهذه الميزة فتبقى تحت الماء لثلاثة أسابيع، كما يقول يوهانس بيترز من معهد سياسة الأمن في ألمانيا، و”من دون انبعاثات ضوضاء” مقارنة بالغواصات النووية الأكثر ضوضاء لأن مفاعلاتها لا يمكن إطفاؤها. وهذه الميزة مثالية للمياه الضحلة المحيطة بالنقاط الساخنة بين البلدين.
تعد إضافة ست غواصات حديثة أفضلية لحلف الناتو، إذ يشهد جناحه الجنوبي أوضاعا ساخنة: ففي أواخر حزيران الماضي سددت سفن روسية إطلاقات نحو مدمرة بريطانية في مياه القرم. وبعد يومين بدأت روسيا مناورات جوية وبحرية وسط البحر المتوسط، بصراع مع حاملات الطائرات البريطانية بتلك المنطقة، ومن ثم ظهرت غواصة أميركية مسلحة نوويا في جبل طارق، ويقول باحث يوناني بالعلاقات الدولية إن الغواصات ستعيد صياغة التوازن البحري بين تركيا واليونان.
 
سلاح ذو حدين
يمكن استخدام الغواصات لجمع المعلومات الاستخبارية في المياه المتنازع عليها، مثل التجسس على الكيبلات تحت الماء التي تخطط اليونان إنشاءها لتصل الى قبرص ومصر وإسرائيل. يمكن تسليح الغواصات بصواريخ متوسطة المدى مضادة للسفن قد «تحيّد القدرات الحربية اليونانية المضادة للغواصات»، مع أن الكثير يعتمد على قدرة تركيا بدمج أسلحتها المحلية بالتصميم الألماني.
مع أن اليونان لم تعارض اتفاق الغواصات عند توقيعه عام 2009، لكن نزاع العام الماضي غير الأوضاع. وترغب اليونان بإيقاف ألمانيا البيع وتقول إن الغواصات يمكن بيعها الى دولة أخرى، وتذكر مثالا عندما منعت أميركا تركيا من شراء طائرات أف 35 قبل عامين بعد شرائها نظام دفاع جوي روسي، لكن هذه المناشدات لم تلق آذانا صاغية حتى الآن.
قلصت عدة دول من الإتحاد الأوروبي مبيعات السلاح الى تركيا عام 2019 بعد هجومها على سوريا، لكن أزمة البحر المتوسط العام الماضي دفعت ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها لمنع محاولة يونانية لفرض حظر شامل على مبيعات السلاح. ومن ثم رفضت الأحزاب الحاكمة الألمانية قبل شهرين مقترح الاشتراكيين والخضر لإيقاف بيع السلاح الى تركيا. لا يعد الرفض الألماني لعرقلة اتفاق الغواصات مفاجئا، اذ تبلغ قيمته نحو خمسة مليارات دولار وهو مبلغ ضخم مقارنة بإجمالي صادرات السلاح الألمانية البالغة 14 مليار دولار طيلة العقد الماضي. وتسيطر ألمانيا على سوق الغواصات العالمية، فقد باعت أكثر من 120 غواصة الى 17 دولة منذ الستينيات، والزبون الأخير المحتمل هو أستراليا التي تفكر بإمكانية شراء غواصات من طراز “214” لملء الفراغ حتى وصول غواصات فرنسية جديدة في العقد المقبل.
 
اعتبارات مهمة
مع ذلك لا تشكل الدوافع المالية القصة بأكملها، إذ صارت علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي ومكانتها في الناتو قضايا مسببة لخلافات عميقة داخل التجمعين. وترغب فرنسا واليونان وقبرص بتقليص التعاون بسبب ما يرونه سلوكا عدوانيا وتوسعيا من تركيا. وعلى النقيض من ذلك، تريد ألمانيا وايطاليا واسبانيا وبولندا منع انهيار العلاقة بشدة.
يعود جانب من ذلك الى إبقاء الهجرة تحت السيطرة، فالمستشارة الألمانية أنغيلا ميركا “مهووسة” بهذه القضية كما يدعي مسؤول يوناني. وبعد قمة الاتحاد الأوروبي في 24 حزيران الماضي، ذكرت ميركل أن الاتحاد قرر تقديم ثلاثة مليارات يورو للمهاجرين في تركيا وهو جزء من حزمة قدرها ستة مليارات يورو أقرت عام 2016. ومع أن عدد الأشخاص العابرين بصورة غير قانونية من شرق البحر المتوسط قد إنخفض بمقدار النصف مقارنة مع العام الماضي، لكن يبقى هناك أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ في تركيا. تؤدي اعتبارات أوسع نطاقا دورا مهما أيضا، وبعضها ستراتيجي إذ ترى ألمانيا في تركيا حصنا على الجناح الجنوبي للناتو، حيث تعيد روسيا تثبيت مكانتها. وهناك دوافع أخرى محلية، اذ تمتلك ألمانيا أكبر جالية تركية تعدادها نحو ثلاثة ملايين شخص. الأمر الذي يساعد موقف ألمانيا هو هدوء البحر المتوسط حاليا، وأجرى الناتو ست جولات من المحادثات خلال العام الحالي بين القوات التركية واليونانية، ما أدى الى إنشاء خط ساخن عسكري يستخدم في الأزمات. وأستؤنفت مفاوضات البلدين بشأن حقوق الحفر البحري، مع أن التقدم فيها بطيء عززه لقاء رئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على هامش قمة الناتو الأخيرة. ومع ذلك كله، أعلنت تركيا بعد أسبوع فقط من اللقاء إجراء مناورات عسكرية في بحر إيجة متهمة اليونان بخرق تفاهم قديم لتجنب إجراء مثل هذه المناورات.