ليبيا.. آمال متأرجحة بإعادة الإعمار

بانوراما 2021/08/10
...

 فرانسيسكا ايبل 
 ترجمة: مي اسماعيل
تتلهف شركات أجنبية من عدة دول مثل ايطاليا وتونس وتركيا ومصر للمشاركة بإعادة إعمار ليبيا الغنية بالنفط؛ ولكن هل تتعجل تلك الشركات الأمر؟ 
بدأ قادة الاعمال بوضع خطط لتقاسم المسؤولية عن إعادة إعمار ليبيا؛ وهي مهمة هائلة الحجم قد تكلف نحو نصف ترليون دولار. ورغم وقف إطلاق النار الهش وتصاعد حوادث العنف مؤخرا، فقد عقد منتدى اقتصادي استهلالي نظمته الجمعية الإيطالية - الليبية لتطوير الأعمال في تونس قبل شهرين، إجتمع فيه رجال الاعمال من ايطاليا وتونس وليبيا لمناقشة خطط اعادة الاعمار للدولة، التي مزقتها الحرب. 
أدى عقد كامل من الأزمات المطولة لتدمير مدن بأكملها وترك نحو 280 ألف شخص للعيش في ملاجئ متضررة؛ وفقا للمنظمات الانسانية الليبية. تضم ليبيا أكبر احتياطيات النفط المعروفة في أفريقيا، ونظرا لعدد سكانها القليل نسبيا (سبعة ملايين نسمة) تمتلك أحد أعلى معدلات الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للفرد في القارة. ولذا اصطفت شركات من مصر وتركيا وتونس وفرنسا وألمانيا للفوز بالعقود الحكومية المرغوبة كثيرا لإعادة إعمار الدولة.
شدد المشاركون في المنتدى على الضرورة الملحة لإنعاش الاقتصاد الليبي وتحريكه مرة أخرى؛ وأشاروا لحقيقة أن حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة المعترف بها دوليا برئاسة «عبد الحميد دبيبة» لا تملك حاليا سوى ولاية محدودة للحكم حتى نهاية العام. 
قال دبيبة أنه يرغب بتخصيص تسعة مليارات دولار من الميزانية الحكومية للمشاريع والتنمية. وعبّر ممثلو نحو تسعين شركة حضروا المنتدى عن تفاؤلهم تجاه مستقبل ليبيا المشرق والاحتماليات الاقتصادية.
هناك بالتأكيد شد بين اعتراف بعض الشركات باستمرار حالة انعدام الأمن في ليبيا وحرصها على (إعادة) بدء العمل في الدولة الغنية بالنفط. عشية افتتاح المنتدى الاقتصادي (6 حزيران 2021) إنفجرت قنبلة عند نقطة تفتيش جنوب ليبيا؛ فقتلت اثنين من قوى الأمن الليبية وجرحت خمسة آخرين. 
وقبلها بأيام اختطف مسلحون «منصور عاطي» رئيس فرع الهلال الأحمر في أجدابيا شمال ليبيا. وقال أقاربه إن مسلحين ملثمين أخذوه بحجة بأنه «ضد الانتخابات والمصالحة واعادة بناء ليبيا»؛ ووضعوا اللوم على الغياب التام للأمن.
الاستقرار الحقيقي
لا يرغب بعض الليبيين؛ ممن استفادوا من عقد من الفوضى واقتصاد الحرب؛ برؤية ليبيا تعيش وضعا مستقرا، وهناك مقاطعات تسيطر عليها المرتزقة الأجانب والميليشيا المسلحة. كتب «داكس روك» المدير المحلي للمجلس النرويجي للاجئين في ليبيا؛ قائلا: «لن يتحقق الاستقرار في ليبيا بمجرد اجراء الانتخابات أو سحب المقاتلين الأجانب، وإنما بإعادة بناء حياة الليبيين العاديين والمهاجرين واللاجئين، بل ستفشل المناقشات رفيعة المستوى إذا لم تعالج أيضا الدمار الذي لحق بحياة الناس والبنية التحتية التي يعتمدون عليها». لكن إعادة إعمار ليبيا لا يعتمد فقط على نجاح العملية السياسية الحالية والانتخابات النزيهة. فيقول رجل المال الليبي «حسني باي» إن بعض الاصلاحات يجب تنفيذها لتحفيز القطاع الخاص قبل أن تحصل ليبيا على أي أمل لإعادة بناء اقتصادي حقيقي. 
تشير التقديرات الى أن القطاع الخاص حقق العام 2018 نحو ثمانية مليارات دولار؛ ما يعادل 17 بالمئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي لليبيا. شهدت ليبيا تحت حكم القذافي إصلاحات اقتصادية واجتماعية تماشيا مع بيانه «الكتاب الأخضر»، ففي سنة 1978 جرى تأميم العديد من الشركات (بما فيها شركات النفط) وتقديم الدعم على سلع معينة، كما أُسست «محال السوبر ماركت الشعبية» منخفضة التكلفة، وتم تمرير قانون صارم يحظر تملك أكثر من ملكية خاصة واحدة. وحتى أواسط العقد الأول من القرن الحالي كانت سيطرة الدولة وغياب المنافسة يعنيان أن نمو القطاع الخاص كان محجما إلى حد كبير، والاستثمار الأجنبي ضعيفا.
لم يتغير شيء يذكر منذ حقبة ما قبل الصراع في ليبيا؛ ويقول باي إنه رغم رحيل القذافي الآن فما زال هناك العديد من الشخصيات من إدارته في مواقع النفوذ تحمل ذات العقلية والمواقف الاقتصادية. وقال إن احدى أهم العقبات المانعة لتطوير القطاع الخاص الليبي إنه يجب فتح تسجيل الإسكان؛ مما يسمح لعقارات بمليارات الدولارات أن تصبح قابلة للتمويل، وأن على سوق الأوراق المالية الليبي أن تصبح جاهزة للعمل مرة أخرى وأن يصبح البنك المركزي الليبي هيئة حكومية منظمة.. ومضى قائلا: «أعلم أن إمكانات ليبيا كبيرة والأساسيات موجودة ولكن هناك عدم توافق؛ لأن إدارة هذه الامكانيات كانت دائما مشكلة والحكومة 
بحاجة إلى تنفيذ الإصلاحات.
 
أمر سابق لأوانه
يرى الصحفي الاقتصادي الليبي «أحمد السنوسي» أن مثل تلك المنتديات الاقتصادية والمناقشات حول إعادة إعمار ليبيا أمر سابق لأوانه؛ قائلا: «تريد كل دولة مكاسب مختلفة من ليبيا؛ لكننا لا نستطيع فعل أي شيء حتى نتمكن (نحن في الداخل) من تقرير اذا كنا نريد أن نستمر في حربنا أم لا. وبعدما نقرر؛ حينها فقط يمكننا التفاوض حول صفقات مع ايطاليا أو تونس؛ إذ سنعرف حينها ماذا نريد من كل دولة».
ومع استمرار مواجهة ليبيا لمنحدر شديد من الشكوك السياسية والاجتماعية المستمرة؛ لا يشعر السنوسي بالتفاؤل بأن عملية السلام ستنجح، قائلا: «أعتقد انه ستكون هناك حرب جديدة.. مئة بالمئة؛ لأن أسباب الحرب التي كانت موجودة في السابق ما زالت قائمة. لا أشعر بالخوف من اشعال الليبيين للحرب قبل الانتخابات؛ لكنني أشعر بالخوف من إشعالهم لها بعد الانتخابات».