سعاد البياتي
ما زالت ثورة الحسين (عليه السلام) العظيمة والخالدة تبث دروسها الكبيرة على المجتمع والعالم اجمع في كل وقت وزمان، ورسمت منهاجا واضحا في البذل والعطاء، حينما اراد لها ان تتعمق في محتوى الوجود الانساني بوصفها واقعا «لابد من رسم طريقه نحو المبادئ السامية وان ترتقي سلم الحياة بشكل يجعل الاجيال المقبلة تستفيد من هذا الطريق النوراني العميق في ترتيب حيثياته ومنهجه العام».
لذا كانت واقعة الطف وماحدث فيها من مآسٍ منهجا متكاملا وليس محطة للعزاء فقط، وانها تعلو وتسمو بداية وليس لها نهاية في الحياة، مما يحدو بنا الأمل الى تجديد كل واقع العيش الرتيب بشكل عصري محافظ على القيم المحمدية ومبادئ اهل البيت، الذين تركوا لنا ثروة هائلة من التعاليم الممنهجة والعظيمة في حفظ الانسان من الانزلاق نحو هاوية الكفر والظلام، وهو ثراء انساني متكامل يرسو بنا في سفينة النجاة، التي اسسها تضحياته الجسيمة في ذلك الزمان، ومن هذا المنطلق علينا استثمار ايام عاشوراء بترويض النفس وترسيخ مبادئ المحبة والتسامح في نفوس اسرنا والمحيطين بنا، وان ندعو الى استثمار العقل في توظيف مستقبلنا، بعيدا عن العاطفة، وان نمنح الدروس لفتياتنا ونسائنا في كيفية فلسفة وفهم حضور المجالس الحسينية وكيفية احترام تقاليدها وما ارست من فعاليات لها دورها في بث روح الثورة وقيمها العليا، بشكل ايجابي متسم بالمعاني وحفظ الكرامة والسلوك الحضاري الفعال في التربية والاخلاق، ولاجل احياء ذكرى سيد الشهداء عليه السلام لا بدَّ من ان نكون بمستوى المسؤولية امام الله وامام اسرنا، حينما نربي أجيالنا تربية دينية صحيحة قائمة على الخلق وحفظ الكرامة وحب الوطن والانتماء الروحي والوجداني لكل ما يؤسس للقيم السامية.
لذا ومن الضروري ان تتسم الاجواء العاشورية بالهيبة والاحتشام والسكينة والانصات الى قضية الامام الحسين (عليه السلام) وفهمها وترسيخ ابعادها في الذات من خلال التعامل اليومي مع المحيطين بنا، وكيف ضحى بنفسه واهل بيته من اجل الحفاظ على دين اجداده، ولكي لا نسمح للعالم الخارجي والمتصدين للهفوات ان ينظروا الينا
من زاوية ضيقة، وان نتخلص من التشويه والتلاعب بقضية الامام الحسين (عليه السلام)، وان نمنحها حقها في الاستيعاب وما قامت عليه تلك الثورة الكبرى من احياء للدين والعقيدة.
لذا ندعو من خلال الاعلام المنظم والملتزم الى ادراك حجم ايام عاشوراء وما آلت اليه من مصاعب وويلات، لتكون
دروسا وتوعية الى المجتمع بأسره لاحيائه بشكل يليق بمكانة هذه المناسبة الجليلة، فالوجاهة تكتمل صورتها حينما ترتبط باسم الحسين عليه السلام، ونمنحها حقها في العادات السنوية التي نحييها، من دون اللجوء الى التباهي والاسراف والتفاخر بما اعطى وانفق، فالموضوع برمته مرتبط بأسس وأهداف الثورة الحسينية وبما قامت لاجله، كي نستوعب الدرس بشكل يليق بالقضية الكبرى التي صارت
نبراسا نفتخر به وليس تقليدا اعمى بالسلوك.