وسائل التكييف تبرد مساكننا وتسخن عالمنا

بانوراما 2021/08/14
...

  عالية آتيوفا
  ترجمة: أنيس الصفار                                           
يستطلع كتاب {إيرك دين ولسون}، وعنوانه: {بعد التبريد}، الاعتماد الواسع على انظمة تبريد الهواء في الولايات المتحدة والثمن الباهظ الذي يدفع مقابل الحصول على الراحة. يستعرض الكتاب كيف اصبح تكييف الهواء أحد اكثر الوسائل فعالية للتبريد، كما يبين كيف تسهم المواد الكيمياوية الضارة، التي تضفي الراحة على حياتنا، في ازمة المناخ ايضاً.
ظهر غاز التبريد الحديث، وهو الغاز الذي يستخدم في الثلاجات والمجمدات واجهزة تكييف الهواء، لأول مرة في أعوام الثلاثينيات بصيغة كيميائية تدعى {كلورو- فلورو- كاربونات}، ومختصرها الحروف {سي أف سي}، ثم شاعت تسميته بالفريون. هذه المادة الكيميائية بقيت تتسرب بشكل مستمر وتنتقل الى الهواء الى ان تسببت بحدوث ثقب في طبقة الأوزون. في العام 1987 وقعت اتفاقية يحظر بموجبها انتاج غازات {سي أف سي}، ولكن ثقوب الأوزون بقيت تعاود الظهور رغم هذا فوق القطب الجنوبي في شهر تشرين الأول من كل عام.
حلت المواد الكيمياوية المسماة اختصاراً {أتش أف سي} محل الغاز المحظور، ولكن هذه المواد كان لها تأثير في ارتفاع سخونة الأرض يعادل تأثير ثاني اوكسيد الكاربون بنحو 14 مرة، لذا استعيض عنها بغازات {أتش سي أف سي} الأكثر استخداماً اليوم وهي مواد أخف تأثيراً بكثير على طبقة الأوزون.
ليس معنى هذا ان علينا التخلص من اجهزة التكييف، فغازات التبريد تكون منقذة للحياة خلال موجات الحر، والتعرض المطوّل للحرارات المرتفعة يمكن ان يسبب تدهور قدرات الناس الذهنية والبدنية. بيد ان عالمنا كان أكثر برودة قبل هذا التوجه الواسع الى اجهزة التكييف، أي اننا نحن الذين جعلنا كوكبنا اكثر سخونة من خلال سعينا في طلب الراحة.
على ضوء هذا الكلام قد تطرأ على البال بعض الاسئلة: 
هل يطلق جهاز التكييف مواد كيمياوية ضارة في المنزل أو في الجو؟
أجهزة التكييف لا تستهلك غازات التبريد ولا تنفثها في الهواء، والجهات الصناعية المنتجة لأجهزة التكييف تدعي ان اجهزتها لا تسرب غاز الفريون الى الجو، ولهذا السبب تعد آمنة تماماً.
إلا ان ما حدث كان خلاف هذا، لاسيما بالنسبة لأجهزة التكييف في السيارات، لأن غاز التبريد الذي يحقن في أية منظومة، مثل جهاز التكييف، يأخذ بالتسرب ببطء على مدى السنوات. وحتى لو لم يحدث التسرب فإن الغالبية العظمى من الناس تلجأ الى الشارع حين تقرر التخلص من اجهزة التكييف وهذه الاجهزة تحتوي على غازات {أتش أيف سي} والاحتمال الأرجح انها في النهاية سوف تتسرب منها وتذهب في الجو. 
ماذا كان البديل بعد حظر غازات {سي أف سي}؟. هناك بدائل مثل غازات {هايدرو- فلورو- أوليفين}، وتختصر {إيتش إيف أو}، التي لا تسبب اضمحلال طبقة الأوزون. وتشير الدلائل كلها الى أنها مناسبة وصالحة. ولكن كل جيل جديد من غازات التبريد التي اعقبت {سي أف سي} قيل عنها ايضاً أنها مناسبة وخالية من الاضرار ثم تبين انها ليست كذلك. لذا علينا التحفظ والابقاء على شيء من التحفظ لحين التثبت.
هل يصح لنا الكلام عن الاعتماد على اجهزة التكييف ونحن في موجة حر؟
حين تحدث موجة حر يصاب بعض الناس اكثر من سواهم  بأنواع من الأعراض والأمراض المرتبطة بالحرارة، وهؤلاء يكونون عادة من سكان الأحياء التي تقل فيها ظروف الظل الطبيعي والتشجير الى جانب بعدها عن المتنزهات العامة وكثرة الشوارع المبلطة فيها، التي تمتص الحرارة فتجعل المنطقة أسخن من غيرها بما يصل الى 6 درجات مئوية.
الفئة الأخرى الأكثر تأثراً بموجة الحر هم السكان منخفضو الدخل. فهؤلاء حتى لو استطاعوا امتلاك اجهزة التكييف قد لا يتمكنون من استخدامها كثيراً بسبب فاتورة تشغيلها المرتفعة. كذلك فإن الذي يحدث خلال موجة الحر هو ان يشغل سكان المدينة كلهم اجهزتهم معاً وهذا يؤدي الى ارتفاع الحمل على شبكة الطاقة ويؤدي الى انقطاعات في التيار الكهربائي. لذا تجدر الاشارة الى ضرورة توفير شبكات مناطقية للطاقة الشمسية او تنظيمات تحكم بالطاقة مناطقياً بدلاً من ترك الشركات الاحتكارية تتحكم بالموقف، فحين يكون الربح هو الدافع لن نجد الشركات الاحتكارية معنية كثيراً بانقاذ الارواح.
هل يمكن تخفيف الحاجة الى اجهزة التكييف؟
افضل الحلول التي لا تتطلب كثيراً من التكنولوجيا هي أن نزيد من زراعة الاشجار. كذلك من الضروري جداً اطلاق مبادرات لزيادة المساحات الخضراء في شوارع المدن، لاسيما الأحياء التي تسكنها الطبقات العاملة حيث يقل التشجير. الحل الآخر هو اعتماد تصاميم مستدامة عند انشاء الابنية تكفل التبريد التلقائي، فثمة انماط هندسية مبتكرة بعضها مقتبس من الطبيعة البريّة، مثل خلايا النحل وتلال الأرضة، وهذه تتيح تنظيم درجات الحرارة طبيعياً.
علينا ايضاً ان نتعلم كيف نصنع الظل.. وكيف ننتج الضوء دون الحاجة لإدخال أشعة الشمس المباشرة التي تؤدي الى رفع حرارة الغرفة. كذلك يمكن السماح لحركة الريح الطبيعية بدخول غرفنا واستخدام مواد بناء لا تمتص الحرارة. ستراتيجيات التبريد هذه لن تكون باهظة الكلفة، وعلينا باختصار أن نولي حسن التصميم مزيداً من الثقة.
ما الذي نرجوه من معرفة هذا كله؟
القسط الأعظم من جهد التبريد في الولايات المتحدة لا يذهب لتدارك أوضاع طارئة، وربما حتى ليس لجعل حياتنا افضل، بل هو الارتقاء بمستوى الراحة التي نطلبها. ما اتمناه هو ان نعيد النظر في ما نسميه مستوى راحتنا، وتأمل ما اذا كان هذا المستوى قد أسهم بالفعل في جعل كوكبنا مكاناً لا يصلح للعيش فيه. هذه ليست دعوة لأن يعاني الجميع ولكنها فقط دعوة لإعادة رسم حدود ما نعنيه براحتنا.
 
عن صحيفة الغارديان البريطانية