تجنب المديونيَّة

اقتصادية 2021/08/16
...

محمد شريف أبو ميسم 
 
يرتبط مفهوم المديونيّة بمفهوم العالم الجديد من خلال البعد الاقتصادي الذي تكلم عنه في آذار 2005 «بول وولفويتز»، المرشح الاميركي حينها لرئاسة البنك الدولي، في مقابلة مع صحيفة «الواشنطن بوست»، إذ قال: «إن هناك بُعدا سياسيا وآخر اقتصاديا غير مرتبطين بشكل وثيق، لكنهما يتكاملان مع بعضهما 
البعض». 
وهذا اعتراف صريح برغبة المهيمنين، على النظامين المالي والنقدي، العالميين، في السيطرة على العالم، إذ تمنح القروض القصيرة والمتوسطة للحكومات بشروط تربط هذه الحكومات بالمنظومة الاقتصادية، التي تقودها الشركات التي تحكم العالم تحت إشراف البنك والصندوق الدوليين بدعوى الدعم الاقتصادي المشروط بخطط الاصلاح، التي تؤسس لتدفيق رساميل العولمة لهذه البلدان، وادارة شؤونها من الحديقة الخلفية لنشاطاتها الاقتصادية تحت مظلة نظام ليبرالية
 السوق.
تضطر الحكومات للحصول على قروض جديدة لسداد فوائد الديون القديمة مع بقاء أصل الدين السابق مع الدين الجديد ليشكل دينا متراكما تتضاعف فوائده من جديد، وهذا ما يفسر تضاعف مديونية الدول النامية للمؤسسات الدائنة، من 50 مليار دولار في العام 1968 الى نحو 500 ترليون بحلول العام
 2010. 
هذه المديونية أطاحت بدول عدة، بعد أن اشترطت عليها تسليم أوراق اعتمادها الى الكبار، إذ إن الجهات الدائنة غالبا ما تفرض على الدول المدينة كثيرا من الشروط التي تصب في مصلحة الجهة الدائنة، وتسحب سلطة القرار من الدول المدينة وتضعها في خانة التابع للرساميل الأجنبية، وهذا هو سبب الموقف الشهير لرئيسة كرواتيا السابقة «كوليندا غرابار كيتاروفيتش» التي أصرت على عدم اللجوء الى المديونية برغم الضغوط التي واجهتها، وبقيت مقولتها الشهيرة «لن نقترض من البنك الدولي ولو متنا جوعا.. لن نستدين إلا لغرض المشاريع الربحية التي تدر دخلاً لخزينة 
الدولة».
كل هذا بدافع القول: إن أمامنا فرصة لجدولة ملف المديونية الذي يصل الى نحو 113 مليار دولار، منها 63 مليار دولار ديون خارجية، و50 مليار دولار داخلية، مستفيدين من ارتفاع أسعار النفط ومن امكانياتنا في ايجاد الفرص القطاعية عبر دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومن اعادة هيكلة النظام المالي والنقدي، والكف عن المديونية والبحث عمّا يعظم الندرة ويحيلها الى وفرة، وهذه هي مهمة ومسؤولية النخب
 الاقتصادية.