جواد علي كسار
الأولى: يريد لنا سيّد الشهداء ألا نمكث عند الأداء الظاهري لشخصية المسلم، بل نتوغل إلى الأعماق، بعيداً عن سطح الجوارح وطنطنة الليل: «لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة الحجّ والمعروف، وطنطنتهم بالليل، ولكنْ انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة».
الثانية: في عالم التفاهة الذي يحاصرنا من كلّ حدب وصوب، ويصبّ تفاهاته دون اكتراث، يعيدنا الحسين إلى قانون من أصلب قوانين بناء الحياة: «إنّ الله يحبّ معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفاسفها»، والسفساف هو الرديء من كلّ شيء!
الثالثة: تغوص كلماته في قواعد الحياة الأخلاقية، لتمارس ضرباً من التحليل النفسي: «الأمين آمن، والبريء جريء، والخائن خائف، والمسيء مستوحش».
الرابعة: عن جغرافية الكلام وتخوم العلاقة بين الحكمة والسفه، نقرأ قوله عليه السلام: «غريبتان؛ كلمة حكمة من سفيه فاقبلوها، وكلمة سَفَهٍ من حكيم فاغفروها، فإنه لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة».
الخامسة: قد ينشأ الإنكار أحياناً من الجهل، ولذلك ينبغي في عملية التبليغ رعاية مراتب الناس في الوعي والعقل والاستيعاب: «حدّثوا الناس بما يعرفون، ولا تحدّثوهم بما ينكرون فيكذّبون الله ورسوله».
السادسة: من روائع كلمات سيّد الشهداء في ثقافة الوقت، قوله: «يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما مضى يوم ذهب بعضك».
السابعة: هو ذا الحسين يغدق بعطاياه على من يصله: «من أتانا لم يُعدم خصلة من أربع: آية محكمة، وقضيّة عادلة، وأخاً مستفاداً، ومجالسة العلماء».
الثامنة: من مآثر مبادئ الحسين في الفقه السياسي غير السلطاني: «نحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان». والإمامة السياسية في هذا الفقه ليست للغلبة أو شوكة الجاهلية، بل: «لعمري، ما الإمام إلا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحقّ».
وبعد فـ«لافتات الحسين» مشروع ما أعظم فائدته في العقل والوجدان والبصيرة، لو نهض به أحدهم. فكلمات الحسين لا يخبو لها ضوء، ولا ينطفئ توهّجها، ولا تكفّ دلالتها عن العطاء على الأيام، وما غاضت ودثرت في الزمان قطّ، بل هي ماكثة دانية تُعطي أُكلها في كلّ عصر ووقت.