الاقتصاد المعرفي والأزمات الحادة

اقتصادية 2021/08/18
...

د. مصطفى كامل رشيد
 
تقاس الأمم بثرواتها من الموارد الاقتصادية والامكانيات المادية وقدرتها على إدارة الازمات وصناعة المستقبل ونجاح أدائها في دعم الطاقات المحلية، وتكرار الازمات الخارجية وزيادة حدتها دفعا بلدان العالم على تغيير ستراتيجيتها في بناء التوقعات بشأن المستقبل واعداداتها في حشد الموارد الاقتصادية.
لذلك دأبت اغلب بلدان العالم على عزل تأثير الموارد الريعية والاتجاه نحو الطرف الآخر من المعادلة المتمثل بالعنصر البشري، إذ ايقنت تلك البلدان بأن مفتاح نجاحها في بناء مستقبل آمن، من خلال حشد جميع الإمكانيات نحو اقتصاد المعرفة، فهو عنصر دائم غير ناضب وقابل للتوسع كلما اهتم به صانع القرار، وقادر على بناء فوائض اقتصادية متميزة وقادرة على صد هجمات الازمات والاضطرابات الداخلية والخارجية.
إن بناء اقتصاد المعرفة يتطلب استثمارا طويل الأجل يبدأ من الروضات، ومن ثم التعليم الأولي، وصولا الى التعليم الجامعي، فمن خلاله يتم بناء جيل بعد جيل متعلم وناضج وقادر على التفكير بشكل مستفيض لحل المشكلات والمعوقات، لديه نظرة ثاقبة في إدارة الموارد وتحقيق الاشباع، قادر على القيادة بشكل متميز ومبدع وذي نتاجات علمية ومساهمات عملية فذة. 
إن هذا العنصر أثبت عبر عقود من الزمن إصراره على هزيمة كل ما يعترضه من مشكلات وصعاب، وقادر على تحديد مصيره بشكل جيد رغم كل المعوقات التي يواجهها، فكما هو واضح أن جميع الإجراءات التي اعتمدتها بلدان العالم في مواجهة جائحة كورونا لم تصمد كثيرا أمام حدة هذا الوباء، وأن التركيز المعرفي هو من أوجد الحل عبر ابتكار لقاحات من شأنها اضعاف هذا العدو وتقليل شراسته في التمكن من الجنس البشري، هذا اثبات جديد على أهمية العنصر المعرفي في الحفاظ على الإنسانية والتواجد البشري.  جميع الابتكارات وتطور تكنولوجيا الصناعات كانت في البدء عبارة عن أفكار اخذت مسيرها نحو التطبيق حتى لاقت النجاح في ارض الواقع، لعل اهم ما يميز طبقات العالم هو عدد المراكز البحثية التي تنتمي بعضها للجامعات بوصفها الملاذ الأول للعلم والتعلم، والبعض الاخر ينتمي لمؤسسات عريقة بنت مجدا عبر التاريخ بتواجد متميز ومساحة سوقية لا تهزم بسهولة.
يتمتع العراق بعقول سامية ومبدعة لكنها تحتاج الى الفرصة لكي ترى النور، خصوصا انه مقبل على ما يعرف بمرحلة الهبة الديموغرافية اذ ينال الشباب الحصة الأكبر من عدد السكان، ان اعداد هذه الفئة السكانية بشكل جيد يمكن العراق من الوصول الى اقتصاد المعرفة.
 إن صانع القرار يجب ان يهتم بالفئات العمرية كافة واهمها الجيل الجديد، والذي سيكون صانعا للمستقبل، في ظل ظرف صعب يعيشه العراق، حيث ان بنية المدارس والجامعات مدمرة ولا تحظى بالدعم المحلي او الدولي، وان انتشار الفقر قد اجبر العديد من الطلبة على ترك مقاعد الدراسة للانخراط في الاعمال من اجل تأمين العيش لأسرهم، وضعف شديد في المراكز البحثية في عموم البلاد، وبذلك ازداد وتوسع الجهل وعدم المعرفة مما ينذر بمستقبل مجهول في ظل اهمال واضح لاقتصاد المعرفة، كما ان القيم المجتمعية اخذت باتجاه حماية الجهل وتكريمه بوصفه غاية سامية في ظل اقتصاد محطم غير قادر على مواجهة الغد.