نشوة النَّشر الأدبي الأول

ثقافة 2019/02/25
...


  مهدي  القريشي 
 
يبقى المنجز الاول ومن بعده النشر الاول لأي أديب ، شاعراً ، قاصاً أو روائياً ، مكتنزاً  عصارة فكر وخلاصة وعي ومسلمات ما كان يؤمن بها من ارث انساني في حينه . بمعنى اخر ان النشر الاول يحمل  بصمة الأديب وممثلاً لهويته في تلك المرحلة او ما يسمى بالمعادل الموضوعي لحقبة الزمن الماضي . قد تتطور أدوات الأديب المعرفية وتسمو أفكاره الى مصاف ٍ ارقى ويتلمس الجمال بشكل اوضح ، وبعين ثاقبة وإحساس مرهف في قابل الايام إن أراد هو ذلك . 
ورغم ما قد يصل اليه من تطور في أدواته فأن الكتاب القصصي الاول أو المجموعة الشعرية الاولى او الروايةالاولى ،  سيبقى هذا النشر يلاحقه حاملاً معه كل الاخفاقات التي ارتضاها لمنجزه الإبداعي في اختصاره للزمن وتجاوزه له والوقوع تحت سطوة النشر والتي ستلد نشوة الشهرة واغراءاتها المؤقتة  . 
للحرية دور مهم وفاعل في تنمية الفكر والتمدد في مساحات واسعة في الجمال فكلما توسعت حرية الكاتب وفتح بنفسه مغاليق الأبواب بمفاتيح الإصرار والبسالة الادبية  ستفضي هذه الأبواب حتماً الى فضاءات واسعة وبدون سلطة قاهرة او شرطة فكر قامع لينتج بالتالي آفاقاً جديدة وتطورات فكرية وتتوسع نظرته الى الذات و الأشياء والآخر بدون ان يرتدي عدسات فاحصة او نظارات لإزالة الغشاوة عنه . 
وبالرغم مما يثقل النتاج الأدبي الاول من ارهاصات او اشكاليات فكرية او جمالية او بنيوية فانه سيبقى ذاكرة تقرأها الأجيال ( بموت المؤلف او بدونه ) لكنها تبقى عليلة تنتظر من يساعدها في تجاوز وضعها غير المكتمل واعتقد التوصيف القريب الى هكذا حالة هو ان يوضع هذا الوليد في حاضنة الخدج . 
في هذه المرحلة والتي اسميها مرحلة النشوة في النشر او التباهي بأنضمام الأديب الى فصيل الادباء فأن هذه النشوة ستأخذ بيده مستسلماً الى المطبات في نصه الأدبي التي ارتضى ان لا يراها متوهماً انه وصل مرحلة الكمال ،  يزاحمنا هنا  ( بيير  يوردون )  ليخفف من بعض هذه الإخفاقات  واخطأ الكتاب الاول   ، فقد  انتج مصطلح (الرأسمال الرمزي ) والذي يعني به التراكم الثقافي ونتيجة الى هذا التراكم الثقافي  سوف ينقذ الأديب نفسه من الوقوع في الإخفاقات  لاحقاً  وتجاوزها الى كتابات اكثر نضجاً والتصاقاً بهموم الوجود والخروج من معطف الأنوية الضيق .