يونيس فوت.. فيلسوفة الطبيعة التي أغفل التأريخ ذكرها

بانوراما 2021/08/26
...

 سيلفيا جي دي
 ترجمة وإعداد: ليندا أدور                           
كان ذلك في العام 1856، أي قبل وقت طويل من الانقسام السياسي الدائر حاليا حول التغير المناخي، بل وحتى قبيل نشوب الحرب الأهلية الأميركية، عندما نجحت العالمة الأميركية يونيس فوت بتوثيق الأسباب الكامنة وراء أزمة التغير المناخي التي نعيشها اليوم، لتصبح إحدى اوائل رائدات علوم المناخ التي لم يُسمع عنها مطلقا.
في ورقة علمية مختصرة، وصفت فوت، أول عالمة هاوية عرفت بـ”فيلسوفة الطبيعة”، قوة غاز ثاني أوكسيد الكاربون الاستثنائية في امتصاص الحرارة، القوة الدافعة للاحتباس الحراري. فمع ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض، قد يظن البعض أن الحرارة ستشع ثانية في الفضاء، لكنها لسيت بهذه السهولة، اذ يظل الغلاف الجوي أكثر سخونة من المتوقع بسبب الغازات الدفيئة مثل ثاني أوكسيد الكاربون والميثان وبخار الماء، التي، جميعها، ستمتص الحرارة المنبعثة.
 
اكتشاف مذهل
 من خلال تجربة بسيطة أجرتها، وضعت فوت مقياس حرارة داخل اسطوانتين زجاجيتين، ضخت غاز ثاني أوكسيد الكاربون في الأولى والهواء في الثانية ثم قامت بوضع الأسطوانتين تحت الشمس، لتكتشف بعدها أن الاسطوانة التي تحوي ثاني أوكسيد الكاربون كانت أكثر سخونة من تلك التي بداخلهاهواء، وأدركت فوت حينها أن ثاني أوكسيد الكاربون يمتص وبقوة الحرارة الموجودة في الغلاف الجوي. قاد اكتشاف فوت هذا الى استنتاجها بأنه: “في حال تم مزج الهواء مع كمية أكبر من ثاني أوكسيد الكاربون من الموجودة حاليا، سينتج عنه ارتفاع بدرجات الحرارة”. قدمت ورقتها البحثية الى الاجتماع السنوي للجمعية الأميركية لتقدم العلوم، من قبل زميلها عالم الفيزياء جوزيف هنري، ليقرأها بالنيابة عنها، لكن لم يتم تضمين ورقتها البحثية، المكونة من صفحة قصيرة ونصف، ولا عرض هنري، ضمن وقائع المؤتمر، لتنشر في العام 1856، في المجلة الأميركية للعلوم والفنون. 
بعدها بسنوات، في العام 1861، قام العالم الآيرلندي الشهير، جون تيندال، بقياس امتصاص ثاني أوكسيد الكاربون للحرارة، وقد أبدى دهشته بأن شيئا “غاية في الشفافية للضوء” يمكنه امتصاص الحرارة بقوة، ما دفعه للقيام بعدة مئات من التجارب باستخدام هذه المادة الوحيدة”، ليدرك هو الآخر لتأثيراته المحتملة على المناخ، مشيرا الى إسهام غازات هيدروكربونية أخرى كالميثان، في التغير المناخي. لم يأت تيندال الى ذكر فوت، بل أرجع الفضل في عمله الى ماتياس بوييه، الذي عمل على دراسة مرور الإشعاع الشمسي عبر الغلاف الجوي، ولا يُعرف إن كان يعلم بما قامت به فوت أم كان يعتقد بأنه غير معروف وغير ذي صلة.
 
ناشطة نسويَّة
مكانة فوت في المجتمع العلمي، أو افتقارها لها، توضح الكثير حول حقوق المرأة، التي كانت فوت، تدافع عنها وبقوة، كناشطة نسوية بارزة، من خلال حضورها لأول اتفاقية لحقوق المرأة التي تمت في شلالات سينيكا بنيويورك في شهر تموز من العام 1848، وسميت بإتفاقية “إعلان المشاعر” التي صاغتها جارتها وصديقتها، اليزابيث كادي ستانتون، التي تطالب بالمساواة مع الرجل في المكانة الاجتماعية والحقوق القانونية، بضمنها حق التصويت، اذ حل اسم فوت خامسا في قائمة الموقعين على الإعلان (كان ضمن الموقعين أيضا، إليشا فوت، الذي أصبح زوجها فيما بعد).
ولدت فوت في السابع عشر من تموز من العام 1819 في مدينة غوشين بولاية كونيتيكت، ونشأت في بلومفيلد، نيويورك، حيث كان والدها رجل الأعمال المعروف. تلقت تعليمها بمعهد تروي للإناث، حيث درست النظريات العلمية والكيمياء الأساسية وعلم الأحياء بإشراف عاموس إيتون، عالم النبات الأميركي. خلال فترة التحاقها بالمعهد، تم تشجعيها، مع طالبات أخريات، لحضور محاضرات علمية كانت تقام في كلية قريبة، ليبدأ من هناك شغفها بالعلوم. بعد زواجها من إليشا فوت،  قاض ومخترع وعالم رياضيات أميركي، في العام 1841، انتقلت وزوجها للعيش في أونتاريو بمنطقة شلالات سينيكا ومن ثم الى ساراتوجا، حيث رزقا بابنتين وستة أحفاد. عن عمر يناهز 69 عاما، توفيت فوت العام 1888، وقد تم إنتاج فيلم قصير عن حياتها في العام 2018، بعنوان “يونيس”.
 
عالمة عصرها
في العام 1857، وبعد تقديمها لورقة بحثية ثانية عن الإثارة الكهربائية، إختفت يوسين فوت عن عالم الفيزياء، التي كانت أول إمرأة أميركية تنشر عنه (باستثناء علم الفلك)، اذ لم يحدث ذلك حتى العام 1889. ربما كانت خطوتها تلك جاءت بناء على شعورها بأنها غير مرحب بها في هذا العالم، أو ربما لأنها فضلت التركيز على عالم الاختراع والتكنولوجيا وهو الأكثر عملية، لتحصل في العام 1860، على براءة اختراع لحشوة جديدة تمنع صدور صوت صرير في نعل الحذاء، كما طورت فيما بعد ماكنة صنع الورق المحسّنة.
 بحلول القرن التاسع عشر، بدأت تزداد وبشكل كبير كميات غاز ثاني أوكسيد الكاربون المنبعثة في الغلاف الجوي بفعل الأنشطة البشرية، من خلال حرق المزيد من الوقود الأحفوري-الفحم والنفط والغاز، الذي أفضى الى زيادة كميات ثاني اوكسيد الكاربون في الهواء. على مدى عقود، حتى قبل اختراع السيارات أو المحطات التي تعمل بالفحم، أدرك العالم مخاطر الاحتباس الحراري الناتج عن المستويات المفرطة من ثاني أوكسيد الكاربون في الهواء، وقد حذرت يوسين، عالمة عصرها الفريدة التي أغفل التأريخ ذكرها عن تلك العلوم الأساسية منذ أكثر من 165 عاما، لكن لم ننصت اليها بانتباه.
 
*موقع ذا كونفرزيشن