ملاجئ مضيق جبل طارق التي لم يستخدمها فرانكو مطلقاً

بانوراما 2021/08/28
...

  جيساس كاناس
  ترجمة: حميد ونيس
 
في هذا المكان عمل نحو 30 ألف سجين تحت ظروف قاسية لبناء 640 مبنى عسكريا خطط النازيون من خلالها لمهاجمة الجبل، لكن تم التخلي عنه في النهاية.
ربما لم يتمكن لاريسا سويرسكي وغابرييل ريرا من اللقاء مطلقا، رغم أن كليهما نجا من ذلك السيناريو الخطير والمثير للاهتمام الذي مثلته قصة مضيق جبل طارق خلال الحرب العالمية الثانية. فكانت الفتاة بصفتها {ملكة القلوب}، عميلة مزدوجة للنازيين والحلفاء في شبكة التجسس لمنطقة جبل طارق، أما الشاب  غابريل فكان السجين الذي أضطر لأكل الحلزون المسحوق لتجنب المجاعة أثناء حفر نفق ضخم تحت سلسلة جبال كاربونيرا لاستخدامه في هجوم ألماني ضد الجبل لم يقع أبدا. ورغم أن كتب التاريخ تتناول مآثر أخرى، لكن معركة قاسية وسرية في منطقة قادس مطلع الأربعينيات، كواحدة من العمليات العسكرية المحبطة، حيث قام جواسيس وأفواج من السجناء ببناء أكثر من 640 مخبأ ومختلف البنى التحتية العسكرية ليتم التخلي عنها وعن البناة وتركهم لمصيرهم على امتداد ساحل {قادس}.
ولاتزال هناك معالم منها الملاجئ والمدافع المضادة للطائرات ومراكز القيادة والأنفاق وحتى الطريق الخفي المؤدي إلى الجزيرة الخضراء كدلائل على معركة دارت في واحدة من الزوايا الجيوستراتيجية الأساسية في العالم حيث لم يتم إطلاق الرصاص فيها. فكانت البنية التحتية التي تمتد على طول ساحل قادس، من هويلفا إلى مالقة، جزءا من   تحصينات الحدود الجنوبية، التي وضعها اللواء المدفعي بيدرو جيفينوا لابيرناد في ايار 1939. 
قبيل الحرب العالمية الثانية مباشرة، وضع فرانكو خطة للجيش تشمل تحصينات وخطوط مدفعية من شأنها أن المساعدة في الدفاع عن البلاد ضد التوغلات المحتملة من قوات الحلفاء. يقول ألفونسو إسكوادرا، خبير التاريخ العسكري لمقاطعة  قادس: {نحن نتحدث عن مشروع خطير للغاية، فإلى جانب نظام التحصينات على {خط البرانس} المؤلف من ستة آلاف ملجأ تم بناؤه بين عامي 1944 و1948 فإنهما يمثلان المباني الدفاعية العظيمة في تلك الحقبة}.
ولكن بغض النظر عن مدى إصرار نظام فرانكو على أن تحصينات مضيق جبل طارق كانت لأغراض دفاعية فقط، لا ينكر أحد أن من سيسيطر على المضيق وقناة السويس سيمسك بمفاتيح البحر الأبيض المتوسط.  في العام 1940، أقام نظام فرانكو خطاً محصناً، خاصة حول جبل طارق. ويوضح إسكوادرا  أن عناصر نظام المدفعية والمراصد كلها كانت تتمتع بفارق بسيط في الهجوم. ولهذا، أدرجت ألمانيا النازية المخابئ بوصفها جوانب رئيسة لخطة عملية فيليكس- هتلر لغزو جبل طارق في كانون الثاني 1941.
ويمضي إسكوادرا  في شرحه بأن {بعض الناس ما زالوا يعتقدون أن اللقاء الذي جرى بين فرانكو وهتلر في تشرين الاول 1940 لمناقشة دخول إسبانيا في الحرب، لم يسفر عن اتفاق، غير إن الأمر ليس كذلك} حيث دخلت التحصينات كعنصر أساس في المفاوضات. وقد ظهرت وثائق سرية في الأرشيف الألماني ما يثبت أن الجنرال النازي هوبرت لانز كان قد أعلن أن الدولة الإسبانية {منحته عدة مخابئ تقع في منطقة {لالينيا}.
في ذلك الوقت كان على أرض جبل طارق، الكثير من الجواسيس وحتى العملاء المزدوجين، مثل {سويرسكي}، الذي وثق الصحفي {واين جاميسون} حياته الرائعة.
ويذكر المؤرخ الاسباني خوسيه مانويل اذا كان من الممكن لدكتاتورية فرانكو إقامة أكثر من 640 منشأة دفاعية في غضون بضعة أشهر فقط، فذلك لأن الدولة استخدمت مقاولين خاصين، والجيش، وقبل كل شيء، الآلاف من السجناء الذين أجبروا على العمل في ظروف قاسية.
 
مقبرة الأحياء
كان كارلوس غوردن، المسؤول عن الاماكن الثقافية في مدينة جبل طارق، يضيء مصباحه نحو النفق الذي يمتد نحو 500 متر تحت {سييرا كاربونيرا} في لالينيا، ويقول إنه عندما تختلط الرياح الشرقية الرطبة من مضيق جبل طارق مع الضباب، تختفي الصخرة (الجبل) خلف السحب، وعند النظر إلى الخارج من أحد المخابئ في سييرا كاربونيرا، فإن الغياب الواضح يجعل وجود المخابئ يبدو أكثر عبثا، إضافة إلى المعاناة التي إنطوت على بنائها. ويضيف غوردن إن: {هذا ليس سوى جزء منه؛ ففي سان روكي لدينا مخبأ لكل كيلومتر مربع، وهناك أكثر من 180 مبنى في البلدة وحدها، وبعضها مبان متداعية.
كان غابرييل ريرا، وهو من جزيرة مايوركا، أحد السجناء الذين عملوا في هذه المباني الضخمة، وقد وثق تجربته عبر كتاب {تاريخ سجين مايوركا في معسكرات الاعتقال (1936 - 1942)}، وكتب فقرة تقول: {ذات يوم، خرج فريق التفتيش ومعهم طبيب السجن، وطلب من المتبقي من السجناء أن يقفوا في صف واحد، ولم يعد هناك الكثير منا، وعندما عبرنا من خلال الأسلاك الشائكة، كانت هذه مقبرة لرجال أحياء بسبب نقص الغذاء، والأمراض، والحوادث، ونوبات العمل المتواصل فتسببت بموت نحو 500 سجين}. لقد كانت وفيات بلا جدوى، فكانت ثمنا لبناء خط محصن لم يتم استخدامه مطلقا، وأصبح غير صالح بمجرد أن رأى فرانكو أنه لن يخدم الهجوم أو الدفاع ضد الحلفاء. 
أما اليوم، فقد أصبحت هذه المخابئ المحصنة عبارة عن أحجار ضخمة متروكة على طول الساحل. وفي العام 2001، قام الباحث إسكوادرا وأنجيل سايز بعمل دليل ثقافي لوزارة الثقافة الإقليمية لأجل توثيق نحو 500 مبنى، لكن إسكوادرا يعتقد أنه قد يكون هناك المزيد. 
يعمل مانويل وإسكوادرا منذ عقود على إنقاذ المباني من النسيان، حيث تقع في مناطق ذات جاذبية سياحية لا شك فيها. وحرصا على الاعتراف بدور المخابئ كأماكن للذاكرة التاريخية، يقول سايز: {علينا أن نشرح كيف تم بناؤها ولماذا، من أجل جعلها أماكن للذاكرة ، وليس تدميرها}.
 
صحفية البايس النسخة الإنكليزية