جين بوشين.. «متوفاة رسميا» من دون شهادة وفاة

بانوراما 2021/08/28
...

 كيم ويلشير
 ترجمة وإعداد: ليندا أدور
قبل خمس سنوات أعلنت محكمة فرنسية وفاتها، ليكون ذلك بداية كابوس عاشته جين بوشين في حادثة بدت «مستحيلة وسخيفة» لكن هذا كان واقعها خلال السنوات الثلاث الماضية، اذ تخوض «ملحمة قضائية» لتثبت إنها لا تزال على قيد الحياة وبصحة جيدة. 
بدأت المعاناة في العام 2016، عندما تم رفض طلب بوشين لتجديد جواز سفرها، بدت حينها منزعجة، لكنها افترضت انه ربما هناك نقص في الأوراق المطلوبة أدى الى الرفض. لكن بعد مرور أسابيع، وأثناء مراجعتها لطبيب بلدتها في سانت جوزيف، خارج مدينة ليون جنوب شرقي فرنسا، تفاجأ كل من بوشين (53 عاما حينها) والطبيب عندما رفض الحاسوب بطاقتها الخاصة التي تتيح لها الدخول الى نظام 
الصحة العامة الفرنسي. عزت بوشين ذلك الى مشكلة او خطأ تقني، مفترضة بأنه ذات السبب الذي دفع الصيدلية للطلب منها الدفع كاملا مقابل شرائها علاج مرض السكري الذي تعاني منه.
 
علامة «مرفوض»
توالت سلسلة الأحداث المزعجة، لكن بوشين كانت تفترض بأنها ستحل في النهاية، لكن كل ذلك تغير عندما تسلمت بوشين، التي كانت تعمل سابقا رئيسة لشركة تنظيف وصيانة للمنازل والمكاتب الفخمة، كشفا لحسابها المصرفي، اكتشفت من خلاله بأن حسابها التجاري قد هبط الى  اللون الأحمر، بالرغم من دفعها لعشرات الشيكات، عندها بدأت تشعر بالقلق. لدى مراجعتها لفرع المصرف الذي تتعامل معه منذ أكثر من 27 عاما، تفاجأت بوشين بخروج المدير ليبلغها بأنها لم تعد موجودة وأنه لا يملك تفسيرا لذلك، ولا يوجد سجل أو حساب لديه باسم بوشين فقد أغلقت جميعها. لدى مغادرتها المصرف، سلمها المدير، مع اعتذاره، مظروفا يضم شيكات واجبة الدفع تصل أقيامها لنحو 14 ألف يورو، حينها أدركت بوشين أن هناك خطأ ما، «طوال حياتي، كنت دقيقة حيال كل شيء، احتفظ بجميع السجلات والوثائق وإيصالات الضرائب»، تقول بوشين، مضيفة «طمأنني زوجي بأنه لا داعي للقلق، وربما هناك خلط في الأوراق». على مدى الشهور القليلة التالية، بالرغم من ملاحظتها لحدوث أشياء غريبة ومزعجة، واصلت بوشين العمل والقيادة وتقدمت بطلب الحصول على جواز السفر ثانية، مرفقة إياه بمزيد من الوثائق، لكن في تشرين الأول من العام 2017، تمت إعادة طلبها وقد وضع عليه علامة «مرفوض»، دون أدنى تفسير. 
 
متوفاة إداريَّاًّ
بعدها بشهر، حضر اثنان من حُجاب المحكمة الى منزل بوشين ومعهما خطاب تسليم مسجل معنون لزوج بوشين، بيير جون، لكنها لم تكن تدري بأنها توقع على استلام وثيقة إعلان وفاتها. تفيد الوثيقة بأن محاميا في دعوة قضائية تتعلق بشركة التنظيف خاصتها، أبلغ المحكمة بوفاتها عن سن 53 عاما بشهر شباط من عام 2016، لكن من دون يتم التحقق من هذا الإدعاء فضلا عن عدم وجود شهادة وفاة رسمية بذلك. تقول بوشين التي كانت على وشك الانهيار: «شعرت بأني تلقيت لكمة على وجهي، كيف يمكن أن أكون قد مت؟ اعتقدت بأن الأمر سيتم حله بسرعة»، مضيفة «ذهبت الى طبيبي ليمنحني شهادة تثبت إني على قيد الحياة، وذهبت الى الدوائر الإدارية في سانت إتيان لإبلغهم عن وجود مخالفة، لكن كل ما قالوه أن الأمر ليس من اختصاصهم». 
مذّاك، أمضت بوشين أكثر من ثلاث سنوات ونصف وهي تخوض معركة وجودية لتثبت للسلطات الفرنسية ما كان يعلمه الجميع بأنها على قيد الحياة. أن تكون «متوفاة إداريا»، فذلك يعني لبوشين، الى جانب عدم شمولها بنظام الصحة العامة وعدم حصولها على أدوية السكري والغدة الدرقية الا بعد دفع ثمنها، إلغاء رخصة القيادة وعدم تجديد جواز السفر ولا حتى بطاقة الهوية. حتى ذهابها للتسوق يعد مخاطرة اذ تطالب فرنسا مواطنيها بحمل أوراقهم الثبوتية، فقد يتعرضون للغرامة في حال أوقفوا ولم يبرزوا بطاقة الهوية. 
أثناء أجراءات الإغلاق بسبب الجائحة، اضطرت بوشين لملازمة المنزل بعد زيادة عمليات تفتيش الشرطة. تقول بوشين: «تذمر الكثير من فرض إجراءات الإغلاق، لكن هذا كان اسلوب حياتي خلال السنوات الثلاث الماضية»، مضيفة «كانت هناك أيام لم أستطع فيها أن أغتسل أو أغير ملابسي او أصفف شعري، علما اني كنت اعتني بنفسي على الدوام، لم أكن استطيع الخروج، فأخذ وزني بالازدياد»، اذ إزداد وزنها بمقدار 30 كيلوغراما، وقد تسبب الضغط النفسي بحدوث حالة من الاكتئاب لديها، بضمنها ثلاث محاولات انتحار.
 
قصة مجنونة
تعود بدايات قضية بوشين الى خريف العام 2000، بعد خسارة شركتها عقد تنظيف مع إحدى الشركات، لينشأ على إثره  نزاع  قانوني امتد لسنوات مع موظفة سابقة في الشركة رفعت دعوى قضائية ضد شركة بوشين طالبتها بدفع تعويضات بمقدار 14 الف يورو بسبب تركها لوظيفتها نتيجة خطأ إداري، لكن لم يتم تنفيذ الحكم، فعادت الموظفة ورفعت دعوى ضد بوشين شخصيا ولم ينفذ الحكم أيضا. لكن في العام 2016، وبعد الإدعاء بوفاة بوشين، أعيد فتح القضية لتطلب المحكمة من «ورثة» بوشين بدفع مبلغ 20 الف يورو كأجور متأخرة وتعويضات عن تركها العمل، فضلا عن 15 الف أخرى  عن أضرار إضافية للموظفة.
استغرق الأمر بعض الوقت من بوشين لتعثر على محام ليتولى قضيتها، حتى وافق سيلفان كورمير على توليها، الذي يقول: «إنها قصة مجنونة، وجدت صعوبة في تصديق ما روته لي السيدة بوشين، الأمر كله لا يصدق لكنه حدث بالفعل». 
وقد جمدت المحكمة حسابات زوجها وابنها وصادرت سيارة البورش السوداء الحديثة خاصتهم كجزء من التسوية، كما باعت بوشين مجوهراتها وخواتم الخطوبة والزفاف. اليوم، تقدم كورمير بشكوى قانونية بتهمة الاحتيال والإقرار الزائف لدى المحكمة الجنائية، الى جانب دعوى أخرى في المحكمة المدنية لمنع «الموظفة» من مصادرة مزيد من التعويضات أو الممتلكات العائدة لأسرة بوشين، مشيرا الى أن الأمر قد يستغرق عامين حتى تعاد بوشين الى الحياة رسميا.