هل واكبت الرواية العربيَّة المتغيرات المجتمعيَّة؟

منصة 2021/09/01
...

 عمار عبد الخالق
الرواية هي مرآة الواقع وصدى له، لكنها ليست الواقع نفسه، فالروائي يأخذ شخوصه الروائية من المكان والزمان، ومن البيئة المحيطة به. الرواية العربية ارتبطت منذ نشاتها بالواقعية بشكل واضح، إذ حاول الروائيون محاكاة الواقع ومعالجة قضايا اجتماعية مهمة كالفساد السياسي والفقر واستغلال الانسان، لا سيما المراة، ففي روايات نجيب محفوظ نجد المجتمع القاهري بكل تفاصيله الجميلة والقبيحة، لكن وبسبب سيطرة السلطة السياسية وهيمنة الكهنوت الديني والقوة القبلية على الثقافة العربية لم تات هذه الأعمال الروائية ثمارها في التأثير على مواجهة الصراعات العميقة التي يعاني منها المجتمع العربي.
وفي العراق وبعد التغيير لم يكن للرواية الواقعية العراقية التأثير الكبير في طبائع البنية الاجتماعية، ولا على مشكلاتها العميقة التي تعاني منها، رغم أنها كانت شاهداً على "أرخنة" أحداث كثيرة، وتحولات فاجعة، لكنَّ الواقع يبقى ملغوماً، ومثيراً للأسئلة، وأنَّ ذاكرة الرواية وسردياتها مهما كانت تظل خاضعة لشروط الفن، ولمواجهة غلاظة التاريخ...
خطورة العلاقة ما بين التاريخ والرواية، هي خطورة ملامسة التابو، بحثاً عن الهوية والمعنى، وعن خبايا الأنساق المضمرة، تلك التي ظلت تجاور الصراعات والمحن والواقع بكل معطياته وصراعاته وأسئلته..
حاولنا أنْ نطرح هذا السؤال على عددٍ من الروائيين والنقاد والأكاديميين العراقيين والعرب، وبيان آرائهم حول علاقة الرواية بالواقع، والى أي حد استطاعت الرواية العربيَّة مواكبة التغيرات الاجتماعية؟
 
مرآة عاكسة للحدث الاجتماعي
الروائي والكاتب الارتيري حجي جابر تحدث قائلاً: على الدوام كانت الرواية مرآة عاكسة للتغيرات الاجتماعية، بل أستطيع القول: إنها تقتات عليها غالباً، وهذا أمر لا يحسب للرواية دائماً، فهذا اللهاث وراء محاكاة ما يحدث، كان في بعض الأحيان خصماً من الفن والإبداع، حيث ينشغل بإبداء الرأي وأخذ موقف مما جرى على حساب الأسلوب والصنعة.
وأضاف: لا أريد أنْ يُفهم من كلامي أنني ضد التطرق لهموم المجتمع.. فالروائي أحد أفراده آخر المطاف، لكنْ يجب عليه ألا يرتدي قبعة السياسي أو الناشط، وهو يفعل ذلك. ثمة مسافة يجب أنْ يُبقي عليها الكاتب كي لا يتورط في الخطاب كثيراً على حساب المتعة والشكل.
 
الرواية الواقعيَّة والبناء المستقبلي
يرى الكاتب والمفكر السوداني عماد البليك: أنَّ الرواية تكتب عن الواقع الاجتماعي لكنها لا تنشئ تصورات جديدة لها ذات بنية مستقبلية، تكتفي فقط بالتماس مع المباشر والعادي واليومي. بالتالي يمكن القول إنها مواكبة ناقصة.
 ومن جانب آخر أوضح البليك، أنَّ الموانع كثيرة جداً، فهناك حزمة من أشكال التسلط التي تتجلى سواء في القالب السياسي او غيره من القوالب التي تشكل تابوهات اجتماعية أو حتى مصالح اجتماعية أو عقائديَّة.. الخ، وهي تصوّر لنا أنساقاً سلطويَّة سياسيَّة في نهاية الأمر.
وأضاف: الرواية هي فن مطلوب منه بناء واقع افتراضي خاص، من خلاله يعاد تشكيل بنى الواقع البراني، ولا يتعلق الأمر مباشرة بنقل الحقيقة أو تصوير رسالي معين، هذا يحدث من خلال تقاطعات القارئ أو المتلقي مع إحالات النص التي تشكلها مرجعيات ذلك القارئ.
 
المحاذير السياسيَّة
وقال الكاتب والباحث الفلسطيني د . حسين المناصرة: إنَّ الرواية العربية هي رواية تحولات وتغيرات، ولا يوجد جنس أدبي له القدرة المميزة على مواكبة التغيرات الاجتماعية العربية، غير الرواية، فهي جنس الأجناس الأدبيَّة، ونص هجين مفتوح على الأدبي وغير الأدبي؛ لذلك يمكن القول إنَّ مجمل الروايات العربية منذ مطلع القرن العشرين الى اليوم، استطاعت أنْ تحقق وجودًا متميزًا في معالجة مجمل قضايا الواقع وتشرذماته في ضوء الكتابة الروائية التخييليَّة على أية حال، مهما كانت درجة ارتباطها بالواقع.
وتحدث المناصرة عن الموانع عن كتابة الرواية: وبكل تأكيد، بسبب محاذير التابو، سواء كانت سياسية، أو دينية، او اجتماعية، أو أخلاقية، كانت هناك إخفاقات في مراحل عديدة تسببت في أنْ تقمع الروائي في سياق ما تتطلبه الرواية من جرأة، لذلك يكون اللجوء الى الترميز والإيحاء في الكتابة الروائية أمراً حتميًا، ثم غدت الرواية أكثر انفتاحًا وحرية مع الفضاء الالكتروني أو الرقمي.
وأضاف: نقل الحقيقة أو تغييبها مسألة نسبيَّة؛ فنحن نعيش في مجتمعات مسكونة بالقهر والاستلاب والدكتاتوريَّة، والقمع.. الخ، وغدا واقعنا أكثر خيالية من الخيال، ما يعني أنَّ الحرية المطلقة أمر مستحيل في سياقات هذا الواقع؛ لذلك لا بُدَّ من التحايل، واللجوء الى اللغة فوق اللغة، لتبدو الكتابة السردية وكأنها طبقات أو مستويات من المقروئية المتعددة.
 
التغيرات والسياسة
وتحدث أ د.خالد علي ياس الكاتب والأكاديمي والباحث العراقي قائلاً: "هذا النّمط من الأسئلة يعيد إلى ذهني الجدلية النقدية الاجتماعية وعلاقة النّص بتحولات الواقع، والحقيقة أنّ الرواية عموماً وليس العربية فقط من أفضل الأنواع الأدبية في تعبيرها عن هذه التغيرات بسبب طبيعتها التي تعتمد تخيل الواقع نفسه وإعادة سرده على شكل أحداث مموهة جمالياً، ولنا في الجيل الخمسيني من الروائيين العرب مثل محفوظ والتكرلي وغيرهما مثال واضح على ذلك كونهم باشروا العلاقة في التعبير وتبنت الاجيال اللاحقة ذلك ولكن برؤية أكثر حداثة وتجريداً". وأضاف: "التغيرات الاجتماعية عادة مرتبطة بالسياسة كون السياسة جزءاً من واقعنا وحياتنا اليومية لما فيها من انكسارات مستمرة، ولعلَّ قضية خرق التابو عموماً من الممنوعات على الروائي وليس السياسة فقط وإلاّ لما ارتبطت بالأمر أعمالٌ مثل (أولاد حارتنا) و(وليمة لأعشاب البحر) و(بنات الرياض) وغيرها الكثير". مشيراً الى أنَّ "الأدب عموماً يعتمد الخيال والافتراء والكذب لأنّ غايته تمويه الواقع الحقيقي وإبداله جمالياً برؤية مغايرة عن طريق رؤية الكتاب لعالمهم، وللرواية خصوصية في ذلك كونها تعتمد قصاً يجمع الحقيقي والمتخيل دائماً، لكننا في حقيقة الأمر يجب أنْ نتعامل مع الحقائق جميعاً في الرواية على أنها خيالٌ حتى لو كانت من صلب الحقيقة كما في أحداث التاريخ وقضايا المجتمع وسير الشخصيات المعروفة، من منطلق أنّ الرواية نصٌ أدبيٌّ ولا أدب من دون خيال، وبهذا تندمج هذه الحقائق في ضمن المتخيل السردي لعالم الرواية، ما يكسبها دلالة جديدة ورؤية مختلفة تنزاح بها عن طبيعتها الأصل".