كثيرة هي تلك الامراض الظاهرة والمستترة، وبعيدة في مظاهرها عن امراض الشرائح الاخرى، ومختصة بكل ما لا يمكن تفسيره بموضوعية ولا القبول به مجتمعيا.
تبدأ من النرجسية وصولا الى جنون العظمة مرورا بالأيمان بضرورة اقصاء الاخر والتخلص منه بأية طريقة متاحة ، كل هذا ضمن الاستعداد المكثف لتبني نظرية المؤامرة والعمل بها وليس فقط التوجس منها لدى كل من يتعامل معه، ويتوج هذا ظاهرة النيل من الاخر حتى وان لم يكن مختلفا معه اذ تتبلور في ذهنه حالة السخرية والرغبة في تصدير صفات غرائبية ومذمومة على من يحيط به في كل فرصة متاحة دون ان يتحصل من جراء هذا على اية فائدة معنوية .
تتباين هذه الصفات عربيا وعالميا ، وقد تشترك اغلب المجتمعات العربية فيها وتختلف غربيا بدخولها في مناطق الكآبة ورفض الاخر والتقوقع مع النفس الذي قد يقود الى التخلص من الحياة مثلما حدث مع الكاتب الاميركي " ارنست هيمنغواي" الذي انهت رصاصة وجهها لرأسه حياته السوداوية التي جعلت اغلب شخصيات رواياته موتى ليظل البطل ملتاعا لفقدهم ولا يعرف طريقة للتعامل مع فكرة الموت في داخله.. وكذلك الكاتبة الانكليزية "فيرجينيا وولف" التي كتبت عبارة تخاطب بها الموت واصبحت فيما بعد شاهدة قبرها : (سأقذف نفسي أمامك، غير مقهورة أيها الموت، ولن أستسلم) اكتئاب وولف اوصلها الى ملء جيوب معطفها بالحجارة قبل ان تقذف جسدها للماء لتتخلص من اكتئاب عجزها عن الكتابة .
وحللت بعض الدراسات النفسية حالات انتحار الادباء من خلال كتاباتهم المليئة برهافة الحس والمشاعر الجياشة التي تعيد تشكيل الاحداث المألوفة الى سرد موجع يشي بحجم احساسهم بمجريات الاحداث وازمات الحياة بطريقة مغايرة لما يعيشه الاخر غير المتخصص بمنطقة الابداع واثاره أو امراضه
المستترة.
الاديب المتخلص من امراضه النفسية هو شعلة متقدة قادرة على وعي الاحساس بالواقع غير الافتراضي بل الحقيقي وهو القادر على الشعور بهموم مجتمعه بطريقة لا تقبل اختلاط المفاهيم ولا تشعب الاستدراكات وهذا ما جعل الشاعر اللبناني "خليل حاوي " لا يستطع تقبل فكرة اجتياح اسرائيل لبلده في الثمانينيات ، ففضل تفجير رأسه برصاصة لينهي بها حياة عاشت بانتظار تحقق حلمها العربي بالتخلص من كل اشكال الاستلاب والاحتلال..
امراض الادباء تحتاج الى وقفة موضوعية مع ذات الاديب العامل في منطقة يفترض فيها الوصول الى اتضاح الرؤية وعدم المهادنة مع الباطل ورفض كل اشكال الهيمنة او مصادرة الآراء وحرية التعبير والوقوف بقوة ازاء المواقف الوطنية الواضحة التي لا تقبل الرؤية المزدوجة وعدم القبول بفكرة امساك العصا من النصف بانتظار ترجيح الكفة الموازية لرغباته الشخصية ، والا فأنه سيفقد مصداقيته مع نفسه ومع الاخر وتلك معادلة سلبية لا يمكن معها العيش بسلام مهما حاول اظهار " الود" للحياة فأنها تعرف جيدا حجم خديعة هذا الود
المزيف.!