كيف تتعامل الصين مع حدودها؟

بانوراما 2021/09/13
...

   فينسنت ني
    ترجمة: خالد قاسم
    في البدء كانت كوريا الشمالية ومن ثم ميانمار، والآن أفغانستان. ثلاث أزمات مستمرة تبرز لدى جيران الصين، ولا توجد مشتركات كثيرة بينها. لكن بالنسبة لبكين تفرض تلك الأزمات السؤال نفسه: كيف تتعامل مع دول مهمة ستراتيجيا وفاشلة أيضا على حدودها، وكيف ستحدد استجابة الصين هويتها كقوة عالمية. استمر مراقبو الصين في الغرب منذ سنوات كثيرة بالبحث عن خيوط بشأن كيفية ممارسة قوة صاعدة نفوذها على المسرح العالمي، عبر إنخراطها بالقضايا الأفريقية أو علاقاتها مع أميركا. لكن الطريقة التي تتبعها بكين مع الدول المجاورة الثلاث قد توفر صورة أوضح.
 
يقول المؤرخ البورمي المعروف ثانت ميانت يو: «أفغانستان وميانمار وكوريا الشمالية كلها اختبارات للصين كقوة عظمى صاعدة: هل تستطيع بكين، في وقت الانسحاب الأميركي، ملء الفراغ بطريقة بارعة. رأينا المقاربة الغربية تجاه الدول الفاشلة، وكانت متجذرة بأفكار حول الانتخابات والديمقراطية وحقوق الانسان، لكن لا نعرف حقا ما الذي ستفعله الصين، والتي ترفض منذ عقود تصدير نموذجها الخاص بالتنمية».
مقاربة الصين حذرة وتقليدية حتى الآن. ففي أفغانستان حثت المجتمع الدولي على «توجيه طالبان بنشاط». أما بشأن ميانمار فتعرض التنمية الاقتصادية بعد عرقلة الشجب الصريح للانقلاب في مجلس الأمن الدولي بشهر آذار الماضي، وقدر تعلق الأمر بكوريا الشمالية فقد تعهد البلدان في تموز بتعزيز التعاون بالذكرى السنوية الستين، لتوقيع معاهدة الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة بينهما.
 
مقاربات مختلفة
نفوذ الصين في هذه الدول الثلاث مختلف جدا بطبيعته. إذ تتقاسم أفغانستان حدودا صغيرة مع الصين، على عكس المناطق الحدودية مع كوريا الشمالية وميانمار التي تمتلك تاريخا طويلا من التفاعل.
يذكر الخبير ثانت: «أكبر اهتمامات الصين في ميانمار هي ضمان درجة من الاستقرار والتأكد من عدم وجود قوى كبرى أخرى لها صداقة أفضل مع المسؤولين هناك. وتأتي طموحات الصين الجيوسياسية بجعل ميانمار جسرا الى المحيط الهندي في المرتبة الثانية بعد ممارستها القديمة بإدارة النزاعات الشديدة بمحاذاة حدودها الجنوبية الغربية».
تتفق الباحثة يون سون مع هذا الرأي، وتقول إن مصدر القلق الأساسي للصين هو أمن حدودها، وتتبعه أزمة اللاجئين المحتملة. فعلى سبيل المثال، في العام 2009 تسببت الصدامات المسلحة في ميانمار بهروب نحو 30 ألف لاجئ الى الصين.
أما حالة أفغانستان، فإن الصين تبحث عن المدى المناسب لتعاملها مع نظام حركة طالبان. ويقول المحللون إن الصين عاجلا أم آجلا ستواجه مشكلات دبلوماسية مع كابول خلال الأشهر والسنوات المقبلة. لا توجد اشارات كبيرة الى أن مقاربة الصين تشبه أسلوب واشنطن، فقد صرح السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام مؤخرا عن اعتقاده بعودة قوات بلاده الى أفغانستان في المستقبل «لأن التهديد سيكون كبيرا جدا».
اذا حدث ذلك فمن المتوقع أن يكون في صالح الصين، كما يقول إنزي هان من جامعة هونغ كونغ، «تريد بكين على الأرجح رؤية الولايات المتحدة تتعثر في أفغانستان مجددا، وحتى في أسوأ السيناريوهات فمن غير المحتمل جدا رؤية مشاركة بكين هناك كما فعلت الولايات المتحدة».
«في حالة ميانمار، ينظر إلى فيروس (كوفيد- 19) كعامل، إضافة الى الأزمات السياسية التي تجعل البلاد شبيهة جدا بالدولة الفاشلة. وتعتقد الصين بعدم وجود الكثير لتفعله بهدف منع حصول ذلك، وبمجرد وقوع ذلك ستعمل لإيجاد طرق تحول الأزمة الى فرصة».
من الواضح أن العقيدة البراغماتية لسياسة بكين الخارجية لن تتغير قريبا، واستجابتها للأحداث بهذه الدول الفاشلة الثلاث ستدفع حتما المعلقين بالديمقراطيات الغربية الى رسم استنتاجات عن كيفية تصرف بكين وهي تؤسس هويتها الجديدة كقوة عالمية لا غنى عنها.
لكن من وجهة نظر بكين، قد تكون هذه المقاربة سلاحها الستراتيجي، كما تقول سون: «الأمر يشبه لعبة العروش: الأنظمة تأتي وتذهب، لكن الصين باقية الى الأبد جارة لها، واذا أراد الغرب الآن التأثير في تلك الدول، فعليه المرور عبر الصين».