في الهند حروب أسريَّة بشأن تقليد محظور

بانوراما 2021/09/15
...

   آمي سوود 
   ترجمة: مي اسماعيل 
بعد نحو سنة من زواجها عثِر على «فسمايا ناير» ميتة داخل منزل أسرة زوجها، في ولاية كيرالا جنوب غرب الهند. في البدء لم يكن للشرطة أسباب تدعو للاعتقاد أن موت الطالبة ناير (24 سنة) يثير الشك، حتى تقدمت أسرتها بشكوى تحت بنود قانون «موت المهر» الساري. يجيز القانون التقدم باتهام ضد أناس لتسببهم بموت أو انتحار امرأة خلال السنوات السبع الأولى من زواجها، والتي كانت الأسرة قد وعدت خلالها بتقديم المهر (الصداق)؛ ويشمل هدايا تعطى لأسرة العريس عند الزواج. منعت الهند (تقليد) تقديم المهر منذ أكثر من ستين عاما؛ لكن هذا التقليد مستمر؛ ليس فقط داخل المناطق الريفية والأكثر تمسكا بالتقاليد. 
تتمتع ولاية كيرالا بواحد من أعلى معدلات معرفة القراءة والكتابة للرجال والنساء في الهند، وتعد عموما من الولايات المتقدمة؛ لكنها ما زالت (وفق تقرير البنك الدولي لشهر حزيران الماضي) «تُظهر تضخما صارخا ومستمرا في المهور منذ عقد السبعينيات، وفيها أعلى متوسط مهر خلال السنوات الأخيرة». يقول «هارشيتا أتالوري» مفتش الشرطة العام بولاية كيرالا أن المحققين لم يحددوا بعد ما إذا كانت الطالبة (ناير) قد ماتت منتحرة أو قُتلت. اِعتقلت الشرطة «كيران كومار» زوج ناير بموجب قانون «موت المهر»، وما زال محتجزا رغم عدم توجيه اِتهام له. ويقول محاميه إن كومار لم يرتكب أي جريمة تتعلق بالمهر: «لا يوجد أي دليل أن هذا الرجل قد ارتكب جريمة قتل أو موت المهر». 
يشير المهر تقليديا الى هدايا (بصيغة مال أو سلع) يقدمها الوالدان لابنتهما لتوفير المزيد من الأمن الاقتصادي لزواجها. لكن الخبراء يقولون اليوم أن الأسر باتت تحوّل النقود والذهب والسيارات والعقارات أو أصول أخرى الى أسرة العريس كشرط للزواج؛ وبعض الأسر تشعر بعدم رضا شديد نحو تلك الصفقات. 
 
يرفضها القانون
يعود نظام المهور الهندي (في بعض أشكاله) الى آلاف السنين؛ حينما لم يكن بإمكان النساء أن يرثن الممتلكات بموجب القوانين الهندوسية؛ لذا كن يُعطَينَ صَداقا يسجل باِسمهن عند الزواج. وبمرور الزمن أصبحت تلك الممارسة مرتبطة بالعنف ضد النساء، الناتج عن إكراه أسرتها على دفع المهر. تشمل الجرائم الأذى الجسدي والمضايقة، فضلا عن الوفيات المرتبطة بعدم الرضا عن قيمة المهر المُستَلم. لذا تم تجريم تلك الممارسة بموجب قانون حظر المهور لعام 1961؛ بالغرامة والسجن لمدة خمس سنوات على الأقل. لكن القانون لم يكن فعّالاً بحسب الخبراء؛ لذا أدخل المُشرّعون خلال الثمانينيات أجزاء الى قانون العقوبات الهندي تسمح للسلطات بتوجيه الِاتهام إلى الرجال أو أفراد أسرهم بـجناية «الوفاة بسبب المهر»؛ وهي تهمة تكون عقوبتها السجن لمدة سبع سنوات أو مدى الحياة. ولكن، ورغم العقوبات المشددة؛ ما زال تقليد تقديم المهور راسخا بعمق في المجتمع، بوصفه جزءا لا يتجزأ من الزواج. 
وفقا لتقارير البنك الدولي فقد دُفعت المهور لنحو 95 بالمئة من حالات الزواج منذ سنوات الستينيات الى 2008 في المناطق الريفية بالهند. هذه المعلومات تستند الى تقرير المسح الاقتصادي والديموغرافي الريفي لعام 2006؛ وهو أحدث مصدر لبيانات المهور التي تغطي 17 ولاية رئيسة. كما أن معدلات الجرائم تعني أيضا أن المهور ما زالت تُدفع. سجلت الهند سنة 2019 أكثر من 13 ألف شكوى بشأن المهور، وأكثر من 7100 حالة وفاة للسبب نفسه؛ وفقا لمكتب سجلات الجريمة الوطني في الهند. ومن بين نحو 3500 حالة وفاة أحيلت للمحاكمة سنة 2019؛ قادت 35 بالمئة منها فقط الى إدانة جُرمية. يقول الخبراء إنه من الصعب على الأُسر أن تُثبت أن المضايقة بسبب المهر قادت الى وفاة المرأة. وبحلول نهاية العام 2019 كانت هناك نحو 46 ألف قضية تنتظر المحاكمة؛ ما يعني أن القانون ليس فعالا، ولم يكن كذلك منذ وقت طويل. تقول «ساندهايا بيلاي» أمينة مركز «ساكي» لموارد المرأة في كيرالا: «انه (تقليد) محظور قانونيا؛ لكنه مقبول اجتماعيا؛ إذ لا يرفض أحد أخذ أو إعطاء المهر؛ بغض النظر عن القانون». 
 
معركة مستمرة
يقول «فيجيث ناير» أخو فسمايا: «تغيرت حياة أختي بعد الزواج، ومنعها زوجها من نشاطاتها الرياضية والمهنية. لم يكن سعيدا بالسيارة الجيدة التي أعطيناها له؛ ولم يتوقف عن المطالبة بأخرى أكبر وأعلى سعرا». أما محقق الشرطة فقال أن الزوج كان خجلا من طراز السيارة التي تسلمها من أسرة زوجته، ولم يفرح بالمهر الذي تضمن كمية من الذهب. مضى فيجيث قائلا: «أعطينا الكثير لنضمن الأمن المالي لأختي؛ ما كسبته من عملي ومدخرات والدي من عمل عشرين عاما. ولم تمر سوى سنة حتى فقدناها». 
لم تكن فسمايا الوحيدة التي قضت في ظروف غامضة؛ إذ سجلت ثلاث قضايا أخرى في الشهر ذاته بكيرالا. ورغم أن تلك القضايا لم تسجل بشكل حاسم تحت قانون «موت المهر»؛ لكنها أثارت صدمة واسعة وغضبا في الولاية. وطالب كثيرون بإنهاء هذا التقليد المثير للجدل. تمضي «بيلاي»: «لا يمكننا القول إن التعليم لم يسهم في تمكين المرأة؛ إذ حصل تقدم كبير في حقوق المرأة ضمن حقول اجتماعية مختلفة؛ لكن هذا النظام الأبوي الراسخ لا يمكننا التغلب عليه؛ رغم المعدلات العالية لمحو الأمية». يرى فيجيث أنه لا يشك بأن المهر كان متوقعا لزواج أخته، قائلا: «اذا كانت الفتاة ذات تعليم جيد ومن أسرة جيدة فلا يهم الأمر. لكن المهر القليل لا يناسب الزوج الجيد المتعلم.. فهذا هو نظام كيرالا». 
 
وصمة وعار وصمت
حققت شرطة كيرالا منذ سنة 2016 حتى الآن في 68 وفاة متعلقة بالمهر، ونحو 15 ألف شكوى عن.. «قسوة الزوج وأقاربه» خلال الفترة ذاتها. يؤكد الخبراء صعوبة القضاء على هذا التقليد المثير للجدل؛ لأنه أصبح مرتبطا بسمعة الأسرة ومقامها الاجتماعي؛ وتصف بيلاي ذلك قائلة: «يخشى الناس أن ينظر اليهم الآخرون باستصغار إذا لم يُظهروا الثراء في زواج ابنتهم». كما جرى «تطبيع» هذا التقليد تحت تسمية «إعطاء الهدايا»؛ لتشويش الخط الفاصل بين ما يُعتبر «مهرا» تقليديا وبين ما يمكن تصنيفه كهدية تعطى طوعيا من العروس لأسرة العريس. وهو أمر تعتبره «شاهدة كمال» (عضوة مجلس المرأة بكيرالا) «ثغرة» في قانون حظر المهور لسنة 1961؛ إذ لا تدخل هدايا مثل الأرض والسيارات والذهب تحت بنود المهر؛ قائلة: «هنا تبدأ محنة التظاهُر بكون الأسرة غنية، لتستطيع إرضاء طلبات أسرة العريس بأي وسيلة مالية ممكنة». لكن المحنة أن العديد من النساء اللواتي تتعرض زيجاتهن للخلافات بسبب المهور لا يقلن أي شيء بسبب «العار والاذلال». كما أن الشعور بالذنب لدى النساء سائد؛ خاصة اذا كان والدا الفتاة كبارا في السن أو كافحا لجمع المهر الكبير. 
تقول بيلاي: «يجب ان نستمر بالحديث عن الموضوع جديا مع المجتمع؛ فهي الطريقة الوحيدة ليبدأ الناس بالتصدي له، وألا تُنسى محنة بناتهم». أما «بينارآيي فيجايان» الوزير الأول في كيرالا فقد غرّد (بعد موت فسمايا بأيام): «علينا مجتمعيا إصلاح نظام الزواج السائد، وعلى الآباء إدراك أن تقليد المهور البربري يحط من قدر بناتهن ويعتبرهن سلعة؛ في حين يتوجب معاملتهن إنسانيا».