كايتي هادريك تايلور*
ترجمة: ليندا أدور
في العام الماضي، عندما كان معلمو روضة ابني الصغير يلقون الحصص الدراسية عبر منصة زووم، كان التوجيه الدائم لهم هو: «العيون منتبهة والآذان مصغية، إخفضوا أصواتكم، ومن دون حركة»، مع ذلك، كنت ألاحظ أن يدي طفلي ذا الست سنوات تبقى منشغلة بأشياء موجودة حوله كقطع الليغو أو صنع أشكال بالصلصال أو الخربشة باستخدام أقلام التلوين، في الوقت الذي قد يصف البعض فيه تصرف الطفل بأنه «خارج قواعد السلوك»، تشير الأبحاث الى أن إنشغاله بتلك الأشياء، يسهم في إيقاظ ذهنه بالفعل، والتركيز على الواجبات
المطلوبة.
كوني أما لطفلين في سن المدرسة، الى جانب كوني أستاذة وباحثة في التعليم باستخدام التكنولوجيا، أرى أن النماذج المتبعة حاليا في التعليم عن بعد، غير فعالة للتعلم والتعليم والانتاجية، يعود السبب في ذلك الى أن الجلوس أمام شاشة الحاسوب يسيطر على الأشخاص أو يعزلهم تماما عن الكثير من قدرات الفهم أو الإدراك في أجسادهم. فلكي نتعلم بشكل أكثر فاعلية، تعتمد عقولنا على حركة أجسامنا، التي تعمل باستخدام أدوات مختلفة، وتتواجد في أماكن ديناميكية بوجود عناصر مساندة على مقربة منا.
الإدراك المجسّد
يشار الى أن التعليم عن بعد يتبنى فرضية أنه لطالما كان العقل منشغلا، فلا بأس أن يبقى الجسم ثابتا منى دون حركة، لكن هذه الفرضية متخلفة وغير متطورة، اذ تشير البحوث حول الإدراك المجسّد، - الدراسة التي تبحث في دور الجسد في التفكير- الى أهمية تفاعل الجسم أولا مع العالم المحيط لكي يعمل على تنشيط وتفتيح الذهن للتعلم. لهذا السبب، قد نجد، على سبيل المثال، ان الكثير من الطلاب الذين يستخدمون أدوات ومواد مختلفة ومتنوعة أثناء أي نشاط تعليمي، هم أكثر قدرة على إدراك المفاهيم المجردة كتسارع الجاذبية الأرضية أو الكسور .
خلص عالما النفس كريستين لانغهانز وهيرمان مولر، من خلال دراسة أشخاص قاموا بحل مسائل رياضية بأن: «الجلوس بهدوء، هو ليس بالضرورة أفضل طرق التعلم في المدرسة»، اذ ان مطالبة الطلاب بالجلوس هادئين دون حركة أثناء أدائهم لواجباتهم، تضاعف من العبء المعرفي، او تشكل عبئا مضافا على الذهن، اذ يتطلب ذلك التركيز على تهدئة اجسامهم التي تسعى للبحث عن سبل للفهم، فضلا عن التركيز على المهمة الأساسية وهي شدهم الى طاولتهم الدراسية أو شاشتهم الرقمية.
تعد الأفكار الداخلية للأشخاص هي امتداد للعالم من حولهم، فالتقنيات والأدوات التي يستخدمون، والأشخاص الذين يتعاملون معهم، والطريق الذي يسلكونه الى المدرسة أو العمل، جميعها تحفز المشاعر في أجسادهم، من ثم تقوم عقولهم بتجميع كل تلك الأحاسيس، لتصنع منها معاني أو أفكارا خبرها من تجارب سابقة. على هذا النحو، تكون الأفكار متكررة، اذ يستشعر الأشخاص طريقهم من خلال اللحظات الحالية، في الوقت الذي يطبقون فيه ما تعلموه عبر التأريخ المتراكم للجسد.
ثقافة الصف النشط
أما الإيماءات، فهي نوع أساسي آخر لاستخدام الجسد لأغراض التفكير والتعلم، اذ لا يقتصر الأمر على حركات الأيدي أو دوران الرأس وهز الكتفين، لإضافة فارق بسيط أو تأكيد على الكلمات التي يتحدثون بها، اذ تسهم الإيماءات بمساعدة المتحدثين لتكوين الأفكار وتحويلها الى كلمات قبل التحدث بها. تظهر الأبحاث بأن العديد من دارسي الرياضيات، كشفت إيماءاتهم عن فهمهم للستراتيجيات قبل أن يتمكنوا من لفظ تلك الحلول وتحويلها الى كلام. وبهذه الطريقة، يمكن للمعلمين المدربين على البحث عن الإيماءات وفهمها، أن يروا عملية التقدم التي يحرزها المتعلم في إدراك المفاهيم قبل أن يتمكن الطالب من ترجمة ذلك الفهم الى حديث أو اختبار مكتوب. اذ يمكن للإيماءات أن تجعل الأفكار المجردة مرئية من خلال منحها شكلا مؤقتا، لذلك، فإن رؤية الشخص بالكامل، تسهل التعلم من شخص الى آخر، لكن ذلك يناقض تماما ما جرى على مدى عام، عندما كان طفلي يشاهد فقط وجوه زملائه ومعلميه.
في هذا العام الدراسي، وبسبب المخاوف الصحية، قد يمضيه بعض التلاميذ في صفوف عبر الانترنت، بينما يعود البعض الآخر الى الصفوف الحضورية، وكلا النموذجين من الدراسة يمكن أن يعملا على دمج الجسد من أجل تعلم أفضل، ولتحقيق ذلك، هناك نصائح قد تسهم في إدامة ثقافة التعلم النشط ومنها: جعل الحركة أثناء الدرس، أمرا طبيعيا، وليس فقط أثناء الاستراحة، كالقيام بجولة قصيرة والعودة بملاحظات عنها، حث الطلاب على جمع أشياء مختلفة كدفاتر الملاحظات وأوراق متنوعة وأقلام كتابة وتلوين وغيرها، للتفكير والعمل بها مع بداية كل درس وإدخال التفاعل معها ضمن الدرس، تشجيع الأطفال على استخدام الإيماءات، وفي حال كان الدرس عبر الانترنت، تستخدم الكاميرا لمزيد من التفاعل، منح فرص لتكرار حالة ما، كممارسة مهمة بعدة محتويات وبمختلف الأدوات والأشخاص. قد لا يبدو المشي أو الجري أو حتى الرقص مرتبطا بأداء مهمة ما، لكن هذه الأنشطة، غالبا، ما تساعد لبذل الجهد في التفكير، فتنشيط الجسد يؤدي الى تنشيط الذهن، وربما من الأفضل ان يصبح «وقت الجلوس» هو «وقت النشاط».
*موقع ذا كونفرزيشن
*استاذ مساعد في علوم التعلم والتنمية البشرية