تحطيم الشكل في قصص «سرّ الماء»

ثقافة 2019/03/01
...

د . نجاح هادي كبة 
سرّ الماء إضمامة قصص قصيرة للقاص والروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي بلغت إحدى وعشرين قصة ، كانت قصة سرّ الماء  ( العنوان ) إحداها ، كتب القاص تحتها ( قصص مختارة ) لأنه اختارها من مجموعات قصصه السابقة ، وقد صدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة ــ بغداد العام 2018م ـــ  ومُهِّد لها بــ (مدخل للقصة القصيرة عند الربيعي ) للمستشرقة الإسبانية ماريا بريتوكونثالث ومدخل آخر كتبه القاص نفسه جاء فيه : (هذه القصص ليست اهم ما كتبت فهذه مسألة لا أقررها أنا كما إنها لا تمثل تجربتي التقنية ونموّها بل من الممكن القول عنها أنها القصص التي أحببت لهذا السبب أو ذاك ) ص:18 ، ان قصص سرّ الماء عكست مضموناً محلياً  بعين الكاميرا ــ كما أكد القاص في المدخل ــ لكنها عكست بناء شكلياً مختلفاً جدّ الاختلاف عن أسلوب كتابة القصة القصيرة المتداول ، بخاصة في تحطيم الشكل وبناء شكلي جديد ولا شك ان القاص في ذلك متأثر بما بعد الحداثة التي اهتمت بالهامش على حساب المركز فحطمت الشكل ففي قصة (موسم الدم ) التي اختطف فيها الراعي ابنة الرجل الذي كان يعمل عنده حطّم القاص طريقة السرد المتداول للقص فابتدأ بــ 1ــ الخاتمة ، 2ــ التنفيذ ، 3ـ المرافعة .          
)وفي تلك المحاكمات الهمجية .....  حمدان ينتصب كحكاية جاهلية عريقة دون ان يرد عليهم ) ص: 74 . وتأتي النهاية بأسلوب الراوي العليم انسيابية ( يبلع المدعي العام ريقه ، ويطوي أوراقه أيضاً دون ان يجدى كلمة مناسبة يقدِّمها في هذا السبي الغامض ) ص:75 وفي قصة العميان ، ص: 199 . 
جزَّأ القاص المضمون على وفق ثلاثة عنوانات:  
الحركة الأولى (بداية ) وفيها عنوانات فرعية عديدة : حياة يومية للزقاق ، عويد ، الخالة ، منشد ، الحالة قبل ، الحالة بعد ، عويد ، جاسم ، شامي ، العميان . 
الحركة الثانية ( أيام تمر ) عويد ، منشد ، شامي ، قنديلة واختها .  
الحركة الثالثة ( المطاف ) 1- قنديلة واختها . 2ـ منشد . 3ـ جاسم  4ـ شامي .      5ـ عويد .6ـ الدار . 
ومن خلال هذه الشخصيات يبني سرده ويلاحق شخصياته بعد وصف بيئتهم العامة ويعطي لكل شخصية ما آل إليه مصيرها بعد حبكة درامية ، مثلا : عويد ( يتحسس طريقه بصعوبة ..... هاجر من احدى قرى الرفاعي كان معه امه وأخواه اللذان يصغرانه ، جاسم يملك نفسه ، عينيه نفس السعة والانفتاح المعتم ،لكن شامي الصغير يرى الدنيا ويصافح ضوءها وبهاءها بعينيين جاءوا الزقاق وهبطوا في دار خالتهم ) ص:20 . وينهي القاص سرده عما آل إليه مصيرهم بالتسلسل واحداً بعد الأخر فـــ ( عويد قتل في المبغى خطأ اثر شجار بين ثلاثة سكارى اخرج احدهم مسدسه فأخطأ التصويب واستقرت رصاصته في عنق عويد) ص:215 . 
فالقاص في قصة العميان نأى بسرده عن آليات قصصية عديدة كالدايلوج والمنولوج والتداعي الحر واستخدم أسلوباً جديداً قلّد فيه الطريقة الشفاهية المحلية للمتن الحكائي ليزيد القصة عمقاً واقعياً حميماً وبأسلوب سيري . وفي قصة ( الدائرة التي لا باب لها ) يستخدم أسلوب تحطيم الشكل عن طريق التجزئة للمضمون: 1ـ محمود يتحدث . 2ـ صوت الغريب .   3ـ  ملامح أخرى .لكن القاص يستدرك في النهاية تحت عنوان ، ملاحظة ، ما فاته ان يذكر في سرده قال : ( فاتني ان اذكر ان عدد التخطيطات التي رسمتها له بلغ التسعة ، ثلاثة وهو يحلق ذقنه وستة وهو يغفو في المقهى ، وقد شاركت بثلاثة منها في معرض مدرسي صغير أقيم في الناصرية بعد ثلاث سنوات من رحيل القادم الغريب ، ولكن لم يلتفت إليها احد من روّاد المعرض إذ كانوا مأخوذين بصور الأنهر والأشرعة والنخيل المرتصف على شاطئ النهر ) ص:96 .ففي هذه القصة استخدم القاص الميتا ــ سرد بتوظيفه في نهاية القصة كلمة : ملاحظة ليستدرك ما فاته من ان يذكره في المضمون . ان استخدام هذا النوع من الميتا ــ سرد يرتبط أيضاً بالطريقة الشفاهية للحكي ما يزيد تجربة القاص عمقاً محلياً أيضاً ويزيد اهتمام القاص بتحطيم الشكل المتداول للقص إذ يتماهى فيه القاص مع أسلوب السرد الحكائي المحلي الشفاهي ولم يكتف الربيعي بهذا  الميتا ــ سرد في قصته بل شارك شخصياته في العقدة والصراع في المبني الحكائي ، إذ قال عن احدى شخصياته في القصة : ( كانت له نظرات تائهة لا تستقر على شيء ..... ( وقد اكتشفت انه قد أثار فضول عبد الرحمن مجيد الربيعي أيضاً الذي كان يعمل مدرساً في مدينتنا آنذاك وكان يتطلع لان يكون كاتب قصة ، وقد حاول معرفة شيء عن هذا القادم ولكنه لم يفلح .... وقد غادر المدينة قبل ان يكتب شيئاً عنه .... وهو يقول سأكون مسروراً ان زوّدتني بالتخطيطات التي رسمتها لوجهه ويديه ....  وسأشعر بالخجل حتماً ان جمعني الدرب بعبد الرحمن مجيد الربيعي يوما وطالبني بالرسوم الضائعة ) ص:80 .