سيارات أجرة واطئة الكلفة في كوريا الجنوبية

بانوراما 2021/09/26
...

  تشو سانغ هون
  ترجمة: خالد قاسم
 
لاقت خطة إحدى المناطق لمساعدة كبار السن ممن لا يمتلكون سيارات في القرى النائية شعبية كبيرة وأستنسخت بعموم كوريا الجنوبية، مما أحدث ثورة في النقل العمومي بالأرياف.
في أحد الصباحات الغائمة، لم تظهر قرية على الساحل الغربي لكوريا الجنوبية إشارة على النشاط البشري الى أن ظهر خمسة أشخاص كبار السن ببطء عبر الضباب. انتظرت المجموعة ما كان سابقا رفاهية باهظة الثمن بتلك الزاوية الريفية من البلاد، أي سيارة أجرة تأخذهم للتسوق ومواعيد الطبيب في المنطقة على مسافة 20 دقيقة. لكن حتى أكثرهم فقرا يستطيع تحمل الأجرة بسهولة، إذ لا تقاس حصة كل فرد من مجموع الأجرة بالدولارات بل بالسنتات.
تقع القرية في مقاطعة سيوشيون، وهي مكان ولادة {تاكسي الأمل} المعروف باسم {تاكسي 100 وون} وتعادل 100 وون نحو 9 سنتات. وواجهت تلك المنطقة عام 2013 أزمة بسبب تراجع عدد سكانها وكذلك عدد مستخدمي الحافلات مما أدى لإلغاء المسارات غير المربحة، وإضراب سائقي الحافلات عن العمل. وبعد أن كانت هناك ثلاث حافلات يوميا، اختفت كلها فجأة وترك من لا يمتلك سيارة في القرى الصغيرة النائية.
كان الحل هو اتصال الناس بسيارات الأجرة الى القرى المعزولة قليلة السكان غير الجاذبة لشركات الحافلات، وتأخذ السيارات من الركاب 100 وون فقط مقابل رحلات قصيرة وتدفع حكومة المقاطعة بقية الأجرة.
بينما تنتشر الخدمة لدى كبار السن وأصحاب الدخل المحدود، لكن أي شخص تبعد قريته أكثر من 700 متر عن أقرب موقف حافلات يستطيع الاتصال بهذه الخدمة عند تنقله الى الأسواق في البلدات المجاورة. أثبتت الفكرة نجاحا كبيرا مما دفع الحكومة الوطنية في سيئول الى دعمها ونشرها بين المقاطعات وإحداث نقلة نوعية بالنقل في الريف الكوري. 
 
شعب عجوز
سجلت كوريا الجنوبية منذ سنوات واحدا من أدنى معدلات الولادة عالميا، مما خلق شعبا كبير السن وسط ضغوطات على كل جوانب المجتمع، مثل ميزانية الرفاهية الاجتماعية والنقل العمومي والمدارس.
تأثير التحول الديموغرافي هو الأكثر وضوحا في آلاف القرى الريفية، التي غادرها سكانها الشباب الى المدن الكبرى من أجل وظائف ذات أجر جيد. ويقول مسؤولون حكوميون إن دعم مبادرة 100 وون أكثر فعالية بكثير من حيث الكلفة مقارنة مع نشر حافلات مدعومة الى القرى الصغيرة المحصورة بين الجبال، حيث يعيش عدد قليل من المزارعين المتقاعدين ضعيفي الصحة، وبناء طرق أوسع تتناسب مع تلك الحافلات.
تقول إحدى مواطنات تلك القرى إن الذهاب الى السوق مرتين أو مرتين أسبوعيا بسيارة 100 وون كسر حاجز ملل العيش في قريتها، التي تنحسر يوما بعد آخر ولم يبق فيها سوى 12 منزل، ثلاثة منها شاغرة.
من جهتهم رحّب سائقو سيارات الأجرة بهذه المبادرة، لأنها تجلب مدخولا اضافيا. ويعد ركوب سيارة الأجرة بالنسبة لهؤلاء العجائز الفرصة الوحيدة للخروج من القرية، وإضافة للتسوق ومراجعة الطبيب، فهم يتبادلون الأخبار مع معارفهم من قرى أخرى، مثل أخبار الوفيات والوضع الصحي للأصدقاء.
تحوي سيوشيون موقعين للتراث العالمي لمنظمة اليونسكو، وهما مكان عمره قرون لحياكة المنسوجات الرقيقة من نبات الرامي، ومسطحات المد والجزر الزاخرة بالحياة البحرية. تستقطب المنطقة سيّاح من مختلف مناطق البلاد خلال مواسم هجرة الطيور لمشاهدة أسراب البط والبجع وغيرها، وهي تتغذى على تلك المسطحات قبل الطيران الى سيبيريا.
لكن المنطقة لم تفلت من الثورة التي جلبها التصنيع العسكري لكوريا الجنوبية الى البلدات الريفية، اذ انحسرت صناعة المنسوجات لأن معظم ملابس البلاد تستورد أو تصنع من مواد اصطناعية. 
تقلص عدد سكان المنطقة من 160 ألف خلال الستينيات الى 51 ألف حاليا، أكثر من ثلثهم تتجاوز أعمارهم 65 سنة. ونجد في سيوشيون كل ملامح المجتمع كبير السن، اذ تزدحم عيادات تقويم العظام والعيادات الأخرى هناك بالمرضى منهم.
عندما أجرى مكتب الاحصاءات الوطني مسحا للبلاد عام 2010، كان نقص النقل العمومي أحد أكبر شكاوى المسنين القرويين ممن لا يمتلكون سيارات أو أبناء يقودون لهم. أما سيارات أجرة 100 وون فنقلت نحو 40 ألف راكب قروي في سيوشيون العام الماضي، وكلف البرنامج المقاطعة 147 ألف دولار.
استخدم نحو ثلاثة ملايين راكب هذه الخدمة على مستوى الريف الكوري العام الفائت، وفقا لبيانات حكومية، ونشرت بعض السيارات للنساء الحوامل أيضا. وازداد تنقل سكان القرى النائية الى خارجها مرتين منذ بدء تقديم الخدمة، كما ذكر مسح حكومي.