فيلم «فرقة الانتحار» .. محاكاة ساخرة للإخفاق الإمبريالي في أميركا

بانوراما 2021/09/29
...

   نواه بيرلاتسكي*
   ترجمة: مي اسماعيل        
تنتمي مجموعة «فرقة الانتحار» (التي أسسها «جون أوستراندر» عام 1987) الى عالم «DC} للأبطال الخارقين؛ وقد كانت دائما حالة انتقادية للدولة الأميركية. في عالم قصص «DC} المصورة تجند الدولة أشرارا خارقين مسجونين؛ بالرشوة والترهيب؛ للقيام بمهام لا يستطيع (أو لا يريد) الأبطال الخارقون القيام بها؛ لأسباب تتعلق غالبا بالزوايا القاتمة لحقبة أواخر الحرب الباردة. زرعت قنابل في جماجم الأشرار الخارقين؛ فلو حاولوا الهرب يقوم قادتهم بإعدامهم بلا محاكمة.
يبدو أن هذا المفهوم كان قد نشأ من الأوهام اليسارية بجنون العظمة، ليذكرنا بأفلام السبعينيات الراديكالية؛ مثل «Punishment Park”. ففي نهاية المطاف تُطلق النار على السجناء، وتُحتَقر المثاليات الأخلاقية البسيطة لرجال الشرطة المتفوقين وتُثار التساؤلات عن دوافع مكاتب المحققين.
 
تفويض للهيمنة الأميركية
استخدم الفيلم الجديد قصص الدولة المناهضة للأبطال الخارقين والمناهضة للأمن مثل «الأولاد- The Boys”، «الذين لا يُقهرون- Invincible”، و”الحراس- Watchmen” لتركيب أكثر قصص «فرقة الانتحار” سخرية حتى الآن. يغرق الفيلم (الذي أخرجه «جيمس غان” بأناقة) في سخرية مظلمة بارعة، تظهر عبره مؤسسات السجون ووكالات المخابرات بأنها شريرة وفاسدة وغبية بلا حدود؛ لينتهي الى تأكيد المنطق الإمبريالي والاسلوب الأميركي.. كاشفا عن المدى الذي يذهب إليه فيلم عن الأبطال الخارقين بالمفهوم السائد وبميزانية كبيرة؛ والى أي مدى لا يستطيع الذهاب. 
كان فيلم «فرقة الانتحار” واسع الانتشار عام 2016 بمثابة تفويض غير واعٍ للهيمنة الأميركية على العالم؛ إذ استعبدت الولايات المتحدة شريرا غريبا، وحينما أفلت من قبضتها وهدد بإسقاط النظام العالمي المهيمن؛ تصدت (رغم كل شيء) مجموعة من السجناء الخارقين ممن أُسيئت معاملتهم من قبل الحكومة ذاتها للموقف لتهزمه بأمانة.. إنها قصة لثورة العبيد تشجع المشاهد على أن يتعاطف مع المتاجرين بالعبيد. للوهلة الأولى تبدو إعادة التقديم في فيلم 2012 أكثر شغفا بالإمبريالية، وتتمثل المهمة بالإغارة على دولة الجزيرة «كورتو مالتيز» حيث أوصل إنقلاب حكومة مناهضة للأميركان الى السلطة، فيتمكن الحكام الجدد من التواصل مع شرير فضائي خارق، يمكنه إحداث دمار شامل، وهنا تقوم مديرة المؤسسة الواقعية العنيفة «أماندا وولر» (تؤدي دورها الممثلة «فيولا ديفز») بتجنيد «بلادسبورت» (الممثل «إدريس ألبا») ليقود (وهو متردد) مجموعة خشنة من الأشرار الخارقين؛ على شاكلة سمكة القرش وحيوانات ابن عرس وسجناء خارقين؛ ليدمروا برنامج الأسلحة ويحموا البلاد من هجوم الخصم. 
 
مبررات للقتل
يبدو واضحا هنا أن التشابه مع منطق تبرير حرب العراق أمر مقصود؛ ويقدم الفيلم فكرة أن تدخل الولايات المتحدة ضد دولة الجزيرة «كورتو مالتيز» كان كارثيا بقدر غزو العراق سنة 2003. يبدو أن المديرة وولر بالغت كثيرا في تقدير كفاءة قواتها؛ خاصة أن أول ما جرى كان إدراك قوات الطوارئ أنهم ألقوا أحد مجنديهم في الماء باعتباره برمائيا في حين أنه لا يستطيع السباحة. يزداد تدهور الأمور تصاعديا؛ إذ يلقي الفيلم (بابتهاج) عددا من الممثلين البارزين في مواقف عصيبة؛ سواء لاستحصال قيمة الصدمة أو لكشف أن الذين كنت تظنهم أبطالا ليسوا كذلك على الإطلاق. أفراد الفرقة ماهرون فعلا في القتل والنجاة بأنفسهم؛ ومن المرجّح أنهم لن يُصيبوا الأشخاص الخطأ. وهم يكدسون أكواما من الجثث بكفاءة صفيقة قبل أن يدركوا أنهم ارتكبوا خطأً!.
الولايات المتحدة ليست فقط غير كفوءة؛ بل فاسدة أيضا، ونظرا للمنطق المجازي المعتاد في أفلام الأبطال الخارقين والطبيعة الكونية للتهديد؛ يكون الاعتقاد بدءًا أن وولر أرسلت فريقها لإنقاذ العالم بأجمعه. ولكن عبر سلسلة من التقلبات والمنعطفات بارعة التنظيم؛ سرعان ما يتضح أن حكومة الولايات المتحدة لا تهتم البتة بسكان دولة كورتو مالتيز، وتبدو وولر سعيدة بتعذيب وقتل المدنيين عندما يكون الترويج لرؤيتهم لمصالح الولايات المتحدة. تحاكي قسوة وولر القومية تجاه الخصوم الأجانب بوضوح إزدراء هؤلاء لحقوق السجناء المحليين؛ وتمضغ الدولة الأمنية الأميركية الناس في الداخل والخارج بالشهوة القبيحة نفسها.. رغم ذلك؛ وبينما تعرض القوة الأميركية بوصفها وحشية؛ لا يسع فرقة الانتحار إلا الاستمتاع بها. يعرض الفيلم بعناية كيف يتصرف السجين بقسوة بحيث تبدو عقوبة وولر له نوعا من العدالة الشاعرية.. وحينما يتلقى عقوبته يضحك العديد من المتفرجين في صالة السينما. هذا الاعتقاد حول خاصية العقوبة العادلة هو بالضبط منطق نظام السجون ونكات الاغتصاب فيها. وكما هو حال السجون كذلك كانت الامبريالية؛ إذ يستعرض الأشرار الأبطال باستمرار عظمتهم بالقضاء على أعداد كبيرة من المعارضين الأجانب، مجهولي الهوية. وفي مشهد ربما كان أكثر مشاهد القتال إثارة في الفيلم؛ تُعمّق شخصية «هارلي كوين» (الممثلة مارغوت روبي) تأثير بشرتها الشاحبة بشكل كبير بارتداء فستان أحمر ساطع، وتستدير لتشق طريقها بين عشرات المعارضين من غير البيض. وتتناثر طيور وزهور كارتونية عبر الشاشة؛ لتعزيز تمكينها الأنثوي؛ وهو هنا أيضا تمكين للأميركان البيض.  
 
قتل الذات الخارقة
هنا يكون الاقتراح أن اعضاء فرقة الانتحار، برغم جميع عيوبهم؛ هم أبطال الفيلم عند خاتمة المطاف؛ وهذا يعني أن سكان كورتو مالتيز لن ينقذوا بني دولتهم؛ بل سينقذهم التدخل الأميركي.. الأبطال الخارقون يقتلون أو ينقذون الناس عبر البحار؛ لكن روعتهم الفائقة وكل ما يُبنى عليها تتجسد من قبل الحشود المتعاطفة هناك؛ والقوة العظمى تراها هكذا لأنها تحكم العالم.  
تكشف بعض قصص الأبطال الخارقين جاذبية القوة الإمبريالية العظمى، وتنكرها أيضا. ففي مسلسل «الأولاد» التلفازي تظهر شخصية «هوملاندر-Homelander” الشبيهة بالسوبرمان؛  شخصية معتلة اجتماعيا، وقومي أبيض مسعور، ذو تخيلات إمبريالية واضحة؛ مما يجعله بطلا أميركيا شعبيا وشريرا بائسا في المسلسل. أما البطلة الفلبينية الخارقة «دارنا” (في القصص المصورة والأفلام. المترجمة) فقد ظهرت تاريخيا في سيناريوهات تتغافل عن «العنف والعدوان” لصالح «الخلاص وإنجاز الوعد”؛ وفقا لبحوث «جيريش إيلين أغيلار بريلون”. ولكونها بطلة ما بعد الحقبة الاستعمارية (وفق البحوث)؛ شكلت «دارنا” بديلا للأحلام الأميركية عن القوة الاستعمارية الخارقة.
«فرقة الانتحار” وصلت الى الخلاصة تقريبا؛ فهم يقولون لنا أن الامبرياليين فاسدون وفاقدون للكفاءة، وحين يقولون إنهم سيُنقذون أحدا ما فهو عموما مجرد عذر لاستخدام العنف والسيطرة على السلطة. ولكن في النهاية سيُرينا فيلم أميركي عالي الميزانية أبطالا أميركان ذوي ميزانية عالية وهم يُنقذون سكان العالم الشاكرين. تصوّب «فرقة الانتحار” أسلحتها تجاه ذاتها الخارقة بشكل مثير للإعجاب؛ لكن الرصاص يرتد ويصيب حتما بقية العالم.
 
*كاتب وباحث ومحرر مستقل- شيكاغو