الشرقاط تستضيف أول مبادرة مسرحيَّة فرديَّة

منصة 2021/09/30
...

  قحطان جاسم جواد
لأول مرة تستضيف المدينة الآشورية الشرقاط مبادرة مسرحية فردية،عبر استقبال عرض جاد وتقديمه في المدينة. وتحمل نفقات واقامة فريق العمل المسرحي، طوال وجودهم في المدينة من يوم الاربعاء ولغاية يوم السبت/. الدكتور ياسر تركي الدغمي وهو من مثقفي وكتاب المدينة، بالرغم من أن تخصصه العلمي ليس له علاقة بالمسرح او ما شابه ذلك. والمسرحية كانت بعنوان (ذا هوم) للمخرج غانم حميد وبطولة هناء محمد ومحمد هاشم وبيداء رشيد ود.مظفر الطيب ومحمود شنيشل والادارة المسرحية احسان هاني. 
 
وهنا أثبت المخرج ما يقوله عمالقة المسرح، بأن المسرح اذا لم يصله الجمهور، فعليه الذهاب اليه في موقعه وتقديم المسرح اليه. وكانت تجربة الشرقاط تجربة ستظل في ذاكرة المدينة طويلا. وبالرغم من ان العرض لم يكن (مسرحا تجاريا او كوميديا للضحك)، فقد حقق استقطابا جماهيريا غير مسبوق. والتفت الناس حوله على نحو أثار دهشتنا. وكان عدد المقاعد لا يكفي لكل الحاضرين، والمسرحية تتطلب الصمت والهدوء من الجمهور، لذا تعب المخرج في الحديث مع الجمهور الواقف ويريد مشاهدة المسرحية، ووعدهم بعرض ثانٍ، ليتمتعوا بمشاهدة افضل من الوقوف والازدحام. وكان له ما اراد، لكن بعد فترة قليلة من العرض تسرب الجمهور وتكدس في القاعة. العرض يتناول قضية الارهاب وكيفية دحره وعدم الاستسلام له، رغم الخسائر الصعبة أراد أن يقول لا كبيرة بطريقته الخاصة،عبر عمل شعبي جميل.
 وقد حقق المخرج مبتغاه عبر فريق عمل من الممثلين المتمرسين والمبدعين. الذين قدموا جهدا غير عادي في استيعاب الافكار وطرحها بيسر، بحيث فهم الجمهور المعنى رغم أنهم على مستويات مختلفة من شرائح المجتمع (استاذ جامعي ومثقف ومتعلم وربات البيوت وافتية وبنات وأطفال وكادحين بلا تعليم). والسبب ان المخرج حميد حول العرض من جاد يتغنى بمقولات المفكرين المسرحيين، الى عمل شعبي صميمي يفهمه المثقف والانسان البسيط. لذلك أحب الجميع مسرحية «ذا هوم». وهذه التجربة الأولى للمسرحية وستستمر في عدة محافظات مستقبلا. وقد نجح العرض بتحقيق شروطه المبتغاة، من استقبال منقطع النظير من الجمهور. وهو ثاني عرض بعد أن قدم الأول في مهرجان المسرح العراقي الاول قبل شهرين، وأثار في حينها جدلا واسعا من اصحاب الافكار المؤدلجة، على عكس تجربة الشرقاط، التي لاقت الترحاب حتى من النقاد، الذين حضروا العمل واثنوا عليه. لقد كان المعلم غانم حميد تلميذا نجيبا لاستاذه قاسم محمد، لا سيما في تعامله مع الممثل بوصفه اهم ادوات توصيل الافكار والاحداث، ولم يهمل بقية الادوات الاخرى، بل اعطاها دورها المهم في الانارة والصوت والديكور. بما يجعل ادوات النجاح تتحد لتنجح. وهكذا كان الحال (عرضا مبهرا وتقبلا جماهيريا منقطع النظير، والتزاما عاليا من فريق العمل، وابتكارا جديدا في مفهوم المسرح الشعبي الحقيقي، ونجاح تجربة وصول المسرح الى الجمهور في ابعد الاماكن). أليس كل ذلك يستحق الاحترام والتقدير. ويسكت المتشككين بالعرض ممن يحلو اطلاق الكلام المقنن والاحكام المسبقة.
 إن هذه التجربة المغامرة كادت تضعنا على كف عفريت. ماذا لو لم تنجح التجربة ولم يستقبلها الجمهور؟ لكن حين يقدم عليها شخص مغامر بأدوات ابداعية كبيرة وواثق من نفسه ومن ادواته، فإن النجاح والابداع كمن يحفر في الصخر. ومن يعود لأعمال المعلم والمخرج غانم حميد في السابق، يجد بوضوح مغامراته السابقة ونسبة النجاح فيها، كما في مسرحياته (المومياء والرجل الذي ظل في هذيانه يقظا والرجال الجوف ومكاشفات وسن العقل). بل إن بعض مسرحياته كادت تقوده لحبل المشنقة! غانم حميد فنان نذر نفسه للابداع في المسرح او في الادارة اوغيرها. لا يقدم على عمل الا اذا كان متيقنا من تحويله الى شعلة نجاح وابداع. تحية لفريق العمل على روح المغامرة والعمل الدؤوب من اجل الابداع.  ولا ننسى تقديم الشكر لجمهور الشرقاط الحبيب، تلك المدينة الآشورية التي تغفو على نهر دجلة الخالد. وكذلك للدكتور ياسر تركي الذي تحمل عناء وتكاليف التجربة على حسابه الخاص، وهي خطوة قلما تجدها لدى آخرين.