ما سبب ندرة اللون الأزرق في الطبيعة؟

بانوراما 2021/10/02
...

   مندي وايزبيرغر
   ترجمة: مي اسماعيل        
حينما ننظر الى السماء الزرقاء فوقنا أو الإمتداد الشاسع للمحيط؛ قد نعتقد أن اللون الأزرق شائع جدا في الطبيعة. لكن الواقع أنه من بين جميع الألوان التي نجدها في الصخور والنباتات والزهور، أو في الفراء والريش وجلود الحيوانات؛ يعتبر الأزرق نادر الوجود بشكل يثير الدهشة.. فما هو السبب؟ 
يأتي الجواب من الكيمياء والفيزياء، وكيفية إنتاج الألوان وكيف نراها.. يمكننا رؤية الألوان لأن كل عين من عيوننا تحوي نحو سبعة ملايين خلية حساسة للضوء تدعى- المخاريط. هناك ثلاثة انواع مختلفة من المخاريط في عين الانسان القادر على رؤية اللون الطبيعي؛ كل منها حساس جدا تجاه طول موجي معين للضوء: أحمر أو أخضر أو أزرق. 
 
تصل المعلومات من ملايين المخاريط الى أدمغتنا بصيغة اشارات كهربائية؛ تنقل كافة أنواع الضوء المنعكس عن ما نراه، ليتم ترجمتها الى درجات مختلفة من الألوان. 
 
طاقة اللون
يقول كاتب العلوم «كاي كوبفيرشميت»، صاحب كتاب: «الأزرق: بحثا عن أندر ألوان الطبيعة»: «عندما ننظر الى شيء ما؛ كحجر الزفير المتألق أو زهرة الكوبية النابضة بالحياة؛ فإن ذلك الشيء يمتص جزءا من الضوء الأبيض الذي يسقط عليه، فينعكس الجزء المتبقي ويكون له لون معين». ويمضي قائلا: «عندما نرى زهرة زرقاء فإننا نراها كذلك لأنها تمتص الجزء الأحمر من الطيف الضوئي». أو- بمعنى آخر؛تبدو الزهرة زرقاء لأن ذلك الضوء جزء من الطيف الذي رفضته الزهرة. ويستكشف العالِم هذه الظاهرة عن اللون الأزرق المراوغ. ضمن ألوان الطيف المنظور يمتلك الأحمر أطوالا موجية طويلة؛ ما يعني أن له طاقة قليلة جدا مقارنة بباقي الألوان. يقول كوبفيرشميت: «لكي تبدو الزهرة زرقاء فعليها انتاج جزيء يمكنه امتصاص كميات صغيرة جدا من الطاقة» كي تمتص الجزء الأحمر من الطيف الضوئي. يعتبر إنتاج مثل تلك الجزيئات (وهي كبيرة ومُركّبة) أمرا صعبا بالنسبة للنباتات؛ لذا نجد أن أقل من عشرة بالمئة فقط من مجموع النباتات الزهرية في العالم (وهي نحو 300 ألف فصيلة) تنتج أزهارا زرقاء.
يرى «أدريان داير» الاستاذ المساعد بمؤسسة ميلبورن الملكية للتكنولوجيا بإستراليا أن من الدوافع المحتملة لتطور الأزهار الزرقاء أن الأزرق لون منظور للغاية للمُلقّحات مثل النحل، وأن انتاج الأزهار الزرقاء قد ينفع النباتات في الأنظمة البيئية التي تكون المنافسة فيها شديدة على المُلقّحات. أما بالنسبة للمعادن فإن تراكيبها الكرستالية تتفاعل مع الأيونات (الذرات أو الجزئيات المشحونة) ليتقرر أي جزء من الطيف يجري امتصاصه وأي يجري عكسه. يحتوي اللازورد المعدني (الذي يستخرج غالبامن أفغانستان) وينتج الصباغ الأزرق النادرعلى أيونات ثلاثي الكبريتيد؛ ثلاث ذرات كبريت مرتبطة ببعضها البعض داخل شبكة بلورية؛ يمكنها إطلاق أو ربط إلكترون واحد؛ وهو ما يعلق عليه كوبفيرشميت قائلا: «فرق الطاقة هذا هو الذي ينتج اللون الأزرق».
 
رسائل ومتلقون
أما الحيوانات ذات اللون الأزرق فلا تعتمد على الصبغات؛ وإنما على الفيزياء في لونها ذاك. مثلا- الفراشات ذات الأجنحة الزرقاء من جنس «Morpho» لها هياكل نانوية معقدة ومتعددة الطبقات على حراشف أجنحتها، التي تتعامل مع طبقات الضوء بحيث تلغي بعض الألوان بعضها الآخرلينعكس اللون الأزرق فقط. ويحدث تأثير مشابه في هياكل موجودة على ريش طائر «أبو زريق»، وجلد أسماك  التانغ الزرقاء، والحلقات الوامضة للأخطبوطات السامة زرقاء الحلق. لكن اللون الأزرق أكثر ندرة في اللبائن منه في الطيور أو الأسماك أو الزواحف والحشرات. إذ تمتلك بعض الحيتان والدولفينات جلدا يميل للزرقة؛ ولبعض المراتب الرئيسية مثل القرود الذهبية فطساء الأنف وقرود الماندريل أيضا وجوه زرقاء. لكن الفراء؛ وهو سمة مشتركة بين معظم الثدييات الأرضية؛ فلا يكون أزرقا اطلاقا بصورة طبيعية. ووجد الباحثون مؤخرا أن جلد «خلد الماء/ منقار البط» يتألق بتدرجات اللون الأزرق والأخضر عند تعرضه للأشعة فوق البنفسجية.يستطردكوبفيرشميت: «لكن الأمر يتطلب الكثير من الجهد لإنتاج هذا اللون الأزرق؛ لذا يكون السؤال: ما هي الأسباب التطورية التي تنتج اللون الأزرق؟ ما هو الدافع؟ والأمر المشوق عند الغوص في عالم تلك الحيوانات دائما: من هو المتلقي لتلك الرسائل؟ وهل بإستطاعتهم رؤية الأزرق؟».
بينما يمتلك الانسان ثلاثة أنواع من مستقبِلات استشعار الضوء في عيونه؛ تمتلك الطيور نوعا رابعا لتحسس ضوء الأشعة فوق البنفسجية. والريش الذي يبدو ازرق للعين البشرية.. «يعكس فعليا حتى ضوء فوق بنفسجي أكثر من الأزرق» كما يقول كوبفيرشميت. وبهذا المنطق قد يصح تسمية طائر «القرقف الأزرق الأوراسي» بطائر الاشعة فوق البنفسجية؛.. «لأن هذا هو ما يراه واقعيا». 
 
اللون النبيل 
بسبب ندرة اللون الأزرق في الطبيعة؛ كانت كلمة «أزرق» من القادمين المتأخرين الى اللغات حول العالم؛ بحيث ظهرت بعد كل من- أسود، أبيض، أحمر، وأصفر، وفقا لقول كوبفيرشميت: «تقول إحدى النظريات أنك تحتاج لإطلاق إسم على لون ما عندما تستطيع صبغ الأشياء؛ أي- عندما تستخلص اللون من مصدره. وإلا فلا حاجة لإيجاد تسمية لذلك اللون. صبغ الأشياء باللون الأزرق أو إيجاد صبغة زرقاء جاء متأخرا في أغلب الحضارات؛ ويمكن رؤية ذلك في تاريخ اللغة».
يعود أقدم استخدام للصبغة الزرقاء الى نحو ستة آلاف سنة في بيرو، بينما خلط الفراعنة السيلكا وأكاسيد الكالسيوم والنحاس ليصنعوا صبغة زرقاء طويلة الأمد تسمى «irtyu»، لتزيين التماثيل. أصبحت صبغة «ألترامارين الزرقاء الزاهية من اللازورد ثمينةً كالذهب في أوروبا العصور الوسطى؛ وإقتصر استعمالها أساسا على تلوين رسوم المخطوطات المزينة. ندرة الأزرق تعني ان الناس نظروا اليه كلون عالي المكانة لآلاف السنوات؛ وقد ارتبط بصورة السيدة العذراء في المسيحية. تأثر عدد من كبار الفنانين باللون الأزرق؛ منهم- «مايكل أنجلو» و»غوغان» و»بيكاسو» و»فان كوخ». يرى بعض العلماء أن ندرة الأزرق في الصبغات الطبيعية هي التي حركت المخيلة البشرية تجاهه، كما انه لون «المشاعر والتعبيرات»؛ إذ يظهر في العديد من مصطلحات اللغة الانكليزية، منها- العمل بوظائف الياقة الزرقاء، الحديث حتى يزرق الوجه،.. وغيرها. وقد يعني الأزرق أحيانا معاني متناقضة؛ فمصطلح «السماء زرقاء أمامنا» يعني مستقبلا مشرقا؛ ولكن «أشعر أنني أزرق» يعني الحزن.. ربما يعود سبب تمييزنا للون الأزرق أننا لا نستطيع لمسه فعليا؛ كما هو الحال في السماء والبحر؛ فهو مفتوح على إرتباطات عديدة أخرى.