الروائي والسيناريست حسن م. يوسف لـ «الصباح»:جوهر الرؤيا الأدبية أشبه بخط الأفق لا يمكن أنْ يبلغه أحد مهما اجتهد

منصة 2021/10/03
...

  حاورته: ضحى عبدالرؤوف المل

سخر الكاتب والسيناريست حسن .م يوسف قلمه في خدمة جميع أنواع الكتابة تقريباً من عمله كمحرر ثقافي رئيسي، وكاتب عامود في جريدة تشرين الدمشقية، منذ العام 1978 وحتى شباط 2008.. يكتب حالياً وبشكل دائم في جريدة الوطن اليومية الدمشقية، وله حديث إذاعي اسبوعي صباح كل سبت في سوريانا إف إم. الى كتابة القصة والرواية والمسرح والسيناريو، بمقدرة فنية عالية تشهد لها الخبرة التقنية في كتابات تنوعت أساليبها من مسرح الأطفال وصولا الى المسلسلات التلفزيونية، بإنتاج يصعب تعداده في هذا اللقاء.

إلا أنه شغل الكثير من المناصب من مستشار لبرنامج «الإعلام والمجتمع» في المجلس الثقافي البريطاني بدمشق (2007 – 2008) الى أستاذ لمادة السيناريو وتحليل الأفلام في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق بدءاً من 2007 وحتى 2011 ومحاضر زائر في المركز الإذاعي والتلفزيوني التابع لجامعة الدول العربية، كما تم تكريمه في الكثير من المهرجانات وهو صاحب سيرة ذاتية غنيَّة جداً. مع الكاتب والسيناريست حسن م يوسف أجرينا هذا الحوار.
 
* أنشأت فسيفساء من الثقافات والمجتمعات الدرامية هل وصلت الى جوهر الرؤية الأدبية في أعمالك؟
- أود أنْ أشكرك على استخدامك كلمة «أنشأت» فهي أقرب الى الأسلوب الذي أتبعه في بناء العمل الدرامي، لأنني أبني الشخصية والفعل والحوار وفق قوانين سببية غير مكتوبة لكنها 
صارمة. 
صحيح أنَّ العمل الدرامي كائن حي ينمو وفق قوانينه الداخلية لكن الكاتب هو الذي يضع تلك القوانين، وما أن يضعها حتى يجد نفسه مضطراً للخضوع لها، كما يخضع المشرع للقوانين بعد إقرارها. أما سؤالك عما إذا كنت قد وصلت في أعمالي المختلفة الى جوهر الرؤيا الأدبية، فأنا أشعر أنَّ هذا السؤال من المفروض أنْ يطرح على النقاد. على كل حال، يرى المعلم الثاني؛ العالم والموسيقي والفيلسوف أبو نصر الفارابي الذي أقام ببلاط سيف الدولة الحمداني أن: «الصنائع صنفان: صنف مقصوده تحصيل الجميل، وصنف مقصوده تحصيل النافع». 
وقد حاولت في كل ما كتبته خلال العمر الذي أمضيته على جبهة الحروف، سواء في مجال الأدب أم السيناريو أم الصحافة، أنْ أقدم ما هو جميل وما هو نافع في آنٍ معاً بأسلوب يجمع المتعة الى الاقناع.
أما سؤالك عما إذا كنت قد وصلت الى جوهر الرؤيا الأدبية، فجوابي عليه هو (لا) كبيرة؛ لأنَّ جوهر الرؤيا الأدبية أشبه بخط الأفق لا يمكن للمرء أنْ يبلغه مهما اجتهد.
 
* الخداع والخيانات والتلاعب والسياسة والمؤامرات والغموض الشرف والشجاعة الدم والجنس الحب والكراهية المتشابكة في شخصيات أحببناها وأخرى نكرهها لماذا كل هذه التقلبات في شخوص درامية؟
- الصراع هو جوهر الدراما بل هو الحقيقة المركزيَّة في الحياة! الرومان كانوا يسمون الديدان التي تعيش داخل الجسد الحي: «وحوش الداخل» وهذه الوحوش تبقى مقموعة بالمضادات الحيوية التي يولدها الجسد الحي، لكن ما أنْ تضعف تلك المضادات الحيوية فينا حتى تنفلت تلك الوحوش من عقالها فتلتهم الجسد، وبعد أنْ تأتي عليه تموت بدورها، فتنحل وتذوب مكوناتها الأوليَّة في التراب لتمتصها النباتات والأشجار وتحولها الى خضار وثمار يتغذى بها البشر والحيوانات، وبذلك تدخل مجدداً في طور جديد من رحلة الحياة التي يتحول فيها كل آكل الى مأكول.
المهمة المقدسة للدراما هي أنْ تمكن المشاهد من معرفة الخير من خلال صراعه مع الشر، أن تبرز جمال الاستقامة وهي تصارع الخداع والخيانات والتلاعبات السياسيَّة والمؤامرات، أنْ تبرز معنى الشرف والشجاعة من خلال صراعهما مع النذالة والجبن. 
تسألينني: لماذا كل هذه التقلبات في الشخوص الدرامية، وأجيبك، لولا هذه التقلبات في الشخوص الدراميَّة لكانت هذه الشخصيات مضجرة وعديمة الجاذبيَّة والتأثير.
 
* أين تضع اصبعك على الجرح حالياً وتبدأ لكتابة كوميديا سوداء تعم الوطن العربي؟
- يؤسفني أنْ أقول إنَّ الوطن العربي «من المحيط الهادر الى الخليج» هو أشبه بجرح مفتوح ينزف ثروات وبشراً من دون توقف. والحق أنَّ آلام الإحباط والشعور بعدم الجدوى لا تغريني بالهروب الى الكوميديا السوداء. صحيح أنَّ الطير يرقص مذبوحاً من الألم، لكنني لا أميل لتقليد الطيور في الكتابة وأنا لم أجد بعد الشكل الفني اللائق بجراحنا النازفة.
 
* ألا تظن أنَّ الرواية السورية أصيبت بالاعتلال في حرب كسرت بوصلة الأدب؟
- أحسب أنَّ هذا السؤال فيه الكثير من الألغام! اللغم الأول هو أنك تفترضين بأنني أعرف واقع حال (الرواية السورية) من بابها الى محرابها، وهذا شرف لا أدعيه فقراءاتي لا تحيط بالإبداع الروائي السوري بمختلف مدارسه وأجياله. اللغم الثاني هو نزوعك للقول بشكل قاطع إنَّ الرواية السورية (أصيبت بالاعتلال). والحق أن كلمة (الاعتلال) تبدو لي غير مناسبة في هذا السياق، لأنها تنطوي على حكم قطعي بالجملة على تجارب فردية تتفاوت من حيث النضج والعمر والمستوى الفني. 
اللغم الثالث هو قولك إن الحرب (كسرت بوصلة الأدب) وهذه جملة تقريرية لا نصيب لها من الصحة فالأدباء السوريون لا يزالون يبدعون وينشرون، وفي كل عام تبرز أسماء جديدة واعدة في مختلف مجالات الإبداع.
 
* النص والأداء ثنائية استطعت من خلالها تعزيز دور الأدب الدرامي في خصوصيته الدرامية بين الأدب والمرحلة الحالية ما رأيك؟
- دعيني أعترف لك أنني أبتهج عندما أقرأ أو أسمع أي شخص يتحدث عن «الأدب الدرامي» أو «الرواية التلفزيونية»، لأنني أعتبر هذا الأمر نوعاً من الاعتراف بالقيمة الأدبية للسيناريو. لكن هذا الأمر لا يزال حتى الآن يدخل في مجال (حديث التَّمنِّي)! فالنظرة الى السيناريو لا تزال ملتبسة ويلفها الغموض.
 نحن نستطيع بكل ثقة أنْ نتحدث عن وجود أدب مسرحي، فالنصوص المسرحية تنشر ككتب ومن المألوف أنْ يطلع الناس على النصوص المسرحية من خلال الكتب لا من خلال العروض المسرحية حصراً، كما هي الحال في التلفزيون. 
فالسيناريو لم يتمكن من فرض نفسه في حقل الأدب كنوع أدبي جديد، لأنَّ السيناريو نصٌ وسيطٌ بين الشكل الروائي المروي بالكلام والشكل الفيلمي المسرود بالصور. وهو في سياق تحويله الى مسلسل أو فيلم يفقد استقلاليته كنصٍ مقروء، لأنه ينتقل من صيغة العلامات المعجمية المقروءة، الى نسق مرئي من العلامات، فيصبح بذلك جزءاً من سردية متحركة مرئية ومسموعة تدعى الفيلم السينمائي أو المسلسل التلفزيوني.
والحقيقة أنَّ من يسيطرون على سوق الإنتاج الدرامي في المرحلة الحالية يقومون بتهميش كل من يطمح لتقديم سيناريوهات ترتقي لمستوى الأدب درامي.
 
* هل من ربط بين العامود الساخر الذي كتبته ومؤلفاتك الأدبيَّة؟ وهل من رواية عن الحرب السورية ومعاناة المجتمع بمصداقية حسن م يوسف؟
- كثيراً ما يسألونني أين أجد نفسي؟ في القصة أم في السيناريو؟ في المقال الجاد أم في الزاوية الساخرة؟ وغالباً ما أجيب أنني أجد نفسي في كل عمل أقوم به. والحقيقة أنني أعطي كل ما أقوم به أقصى ما لدي من طاقة، لكنني في كل ما أفعل أحترم خصوصية النوع الذي أمارس التعبير من خلاله. 
فأنا لا أكتب المقال الصحفي بلغة القصة ولا أكتب السيناريو كما لو أنه تحقيق صحفي.