الوجهة الى الانتخابات.. جمهور يحمل أمانيه وقبعات عمل

منصة 2021/10/06
...

د. عدنان صبيح ثامر  
هناك عدد من العلاقات التواصلية التي يعمل عليها المرشحون للانتخابات، منها نسبة اعماله السابقة، او الوعود بأعمال مستقبلية، يبنى ذلك على درجة التفاعلات بين الجمهور ومرشحيهم. تكون تلك العلاقة هي المحك الرئيس بين المرشحين القدامى او الذين مارسوا العمل النيابي، وبين الذين يمارسونه لأول مرة.
ان الذين مارسوا العمل النيابي سابقا، يطرحون في دعاياتهم الانتخابية رموزا لتلك الاعمال تذكر الجمهور دائما بعمل قاموا به، او عبارة أطلقوها كان لها تأثير في الراي العام، ويتم التعبير عنها اما بشعار او صورة، او إشارة كلامية تبين المسلمات الخطابية بين المرشحين وبين الناخبين. 
 
الا ان المرشحين عادة ما يقعون في أخطاء عدم الحساب في درجة تفاعل الجمهور داخل الزخم الاعلاني للمرشحين للانتخابات، وربما لم يلتفتوا الا أن الجمهور لم يتفاعل مع تلك الإشارات ويبحث عن مزيد من الايضاح يتعلق بالبرامج الانتخابية والقضايا، التي يهتم بها الجمهور، بل ان التغيرات الحياتية تطلبت من الجمهور ان يغيّر من اشاراته تجاه المرشحين. 
في استطلاع أجراه {مركز رواق بغداد للدراسات الستراتيجية} مع الجمهور في جميع المحافظات، والذي كان يبحث في قياس علاقة الجمهور مع الدعايات الانتخابية للمرشحين، تبين أن الجمهور العراقي أصبح أكثر وعيا في الدخول في التفصيلات، متخليا عن بعض القضايا القديمة لصالح قضايا جديدة أكثر حساسية في حياته.
فضلا عن بحثه عن الدعايات الأكثر وضوحا من ناحية الإشارات الكلامية والصور والشعارات.
ركز الاستطلاع على الطرق، التي من خلالها يتم اختيار المرشحين وهي دراسات ثقافية تحاكي رغبات الجمهور ودرجة تواصل المرشحين مع تلك الرغبات، وهي في الوقت ذاته تعمل على قياس التحولات التي طرأت على رغبات الجمهور وأسبابها. 
منها الاختصاصات التي يرغب بها المرشحون للانتخاب، والازياء، والحديث عن الزمن، والقضايا التي يتم الاهتمام بها، ووضعية صور المرشحين، وألوان الدعايات 
الانتخابية. 
ما يبرز نوعا من التفاعل المجتمعي مع العناصر الاشهارية للمرشحين؛ كون الاشهار السيميائي وهو الاختصاص الذي يبحث في الإشارات الدعائية، تحول من الجانب الاقتصادي الى الجوانب الاجتماعية والسياسية، وهو عنصر مهم في الجانب الدعائي الانتخابي.
وكما يقول العالم غريماس إنَّ {كلّ شيءٍ حولنا في حالة بث غير منقطع للإشارات، فهي لصيقة كل شيء وعالقة بكل الموجودات حيّها وجامدها، عاقلها وغير عاقلها، وما علينا نحن المتلقين سوى إبداء النية في التلقي؛ لكي يشرِّع العقل في عملية تفكيك تلك الإشارات والمعاني المحيطة بها}.
 
الصور والكلمات
إن الإشارات الانتخابية كانت موجودة في التواصل بين الدعايات الانتخابية للمرشحين والجمهور، اذ بين الاستطلاع أن نسبة الذين يتفاعلون مع الصور والكلمات (معا) للمرشحين بنسه 62 %، يقابله 17 % يتفاعلون مع الكلمات فقط بصورة منفردة، و12 % فقط من يتعاملون مع الصور.
وفي عدد الكلمات فإن لها نصيبا في الإيضاح؛ لأنَّ كلمة واحدة وهي ما تكون قريبة من الإشارة إلى شيء ما أو رمز معين، أو تذكير بمسلمات خطابية يعرفها الجمهور، على حين أنَّ الكلمتين هي تعريفية، والشرح والإيضاح يحتاج إلى ثلاث كلمات وأكثر، فكانت النتائج بأنَّ اختيار ثلاث كلمات وأكثر هي النسبة الأعلى في اختيارات الجمهور بنسبة (52.4 %)، تلتها (كلمتان) بنسبة (35.9 %)، ليكون اختيار كلمة واحدة هو أقل الاختيارات بنسبة (11.9 %).
والدلالة في ذلك هو أنَّ الناس تسير إلى الشرح والتوضيح بصورة أكبر من الرموز والإشارة، مما يتبين على أنَّه لم تتكوَّن هنالك مسلَّمات خطابية بين الأحزاب السياسية والجمهور، ولذلك هم لا يكتفون بكلمة واحدة تذكرهم بالإشارات المشتركة 
والمرشحين.
وبصورة أولية فإنَّ الأحزاب التي تملك وضوحاً مع الجمهور، ولا تتعامل بوجود الوسيط الشارح أو الموضِّح، هي الأكثر قرباً من الجمهور، وينطبق الامر على الجهات التي تستعمل عبارات شعبية غير نخبوية سيكون لها النصيب الأعلى وَفْق تلك المعطيات، وينطبق ذلك على سؤال الرغبة في أن يكون الكلام الإعلاني باللُّغة الفصيحة أم باللَّهجة العاميَّة، فإنَّ نسبة 50 % من الجمهور المستطلع يفضِّل أن تكون كلمات الشعار الانتخابي باللهجة العاميَّة، مَّا يؤكِّد النتيجة التي تقدَّمت.
في قضايا الاختصاص فقد رجَّح الجمهور المهندس كأبرز الاختصاصات التي يتفاعل معها للترشيح للانتخابات، تلاها اختصاص الأستاذ الجامعي، ثم السياسي لتكون الاختصاصات الأخرى في درجات متأخرة في الاختيار، ممَّا يتعاطى مع الحركة المطلوبة بالإنجاز والتي يفسِّرها سؤال آخر في الاستطلاع متعلق بالرسوم المعروضة، فكانت صورة المصانع صاحبة النسبة الأعلى، يفسر الحاجة الجماهيرية والتي يمكن ربطها بالحاجات الاقتصادية التي تفاعل معها الجمهور، فضلاً عن تفضيل الحركة على السكون في اختيار وضعيات المرشحين، إذا كان السؤال عن وضعية صورة المرشح المرغوبة فالاختيار الأعلى لصور المرشحين (المرشح واقف) بنسبة(36.9 %)، و(يتحدث) بنسبة 
(29.6 %)، مفضليهما على (جالس ويكتب) والتي جاءت بنسبة (6.5 %) و (15.6 %).
 
الحاجات الانتخابية
ومن ضمن الأسئلة التي تمَّ سؤالها للجمهور هي القضايا التي يتفاعل معها حدَّدتِ الدراسة الحاجات التي تجعل من الناس يتفاعلون معها من دون غيرها، وكان ذلك واضحاً في أنَّ الحاجات الانتخابية تتغيَّر من وقت لآخر، لذلك كانت حاجات الجمهور الاقتصادية والاجتماعية والقانونية هي الأعلى التي يركِّزون عليها في الدعايات الانتخابية، متقدمة على القضايا الدينية والسياسية والمذهبية، ممَّا يدلُّ على أنَّ هنالك إشباعاً في القضايا التي حصلت على نسبة أقل من ناحية الاهتمام، في حين أنَّ الإهمال الذي رافق القضايا الاجتماعية والقانونية والاقتصادية، أو بالأحرى المشكلات المرافقة لتلك الملفات هي التي تدفع الجمهور إلى أن يهتمَّ بها أكثر، كان الجانب القانوني وهو فقرة الاهتمام الملفتة ممَّا يبعث إلى الحاجة التي يطلبها الناس من المرشحين، وكذلك الأمر ينطبق على المشكلات الاقتصادية المرافقة؛ لاعتماد العراق على مصدر واحد من الدخل وهو النفط، فضلاً عن مشكلات البطالة التي ترتفع نسبتها سنوياً، بسبب قلَّة الاهتمام بالقطاع الخاص وقضايا الصناعة والزراعة والتجارة، أمَّا القضايا الاجتماعية فقد تكشَّفت في المدَّة الأخيرة العديد من المشكلات الاجتماعية، كان أهمها حالات العنف الأسري، وقضايا الانتحار والطلاق التي أصبحت ظاهرة على السطح بصورة كبيرة مرافقة لإجراءات الحجر الصحي بسبب جائحة كورونا، وكذلك قلَّة اهتمام المعنيين بها ممَّا يتطلَّب تشريعات خاصة بتلك القضايا تعيد الحياة إلى طريقها الأسلم، وبذلك كان الجمهور واعياً في حاجاته، هو أن الدعايات التي تتحدَّث عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية والقانونية هي من تمثل النسبة الأكثر رغبة عند الجمهور. 
كانت الألوان هي المحك الأول لقياس الوثوق بالإجابات ومعرفة إذا كانت تسير على خطٍّ واحد بالنسبة للجمهور، فالبحث عن المعنى الكامل الذي سارت عليه إجابات الجمهور، من دون أن تكون الخيارات الموضوعة مرجحة لأحدها على الآخر، كان الجانب الداخلي المسيطر على الجمهور بـ (البحث عن الشرح الكامل) بوصفها بنيةً للتواصل مع المرشحين، فقد تبيَّنَ ذلك في اختيارهم اللون الأبيض كأبرز الألوان التي يتفاعل معها الجمهور في الدعايات الانتخابية بنسبة 51.8 %، وهي النسبة الأعلى ودلالاتها في أنَّها لا تعني تفضيل جماعة على أخرى بصورة أولية، إلَّا أنَّها تعني الاتجاه نحو طلب المعنى الكامل  وهو الأقرب لهم.
 
الأشياء الواضحة
تنطبق تلك النتيجة على أنَّ الجمهور لا يتفاعل مع الأشياء المبهمة، وكان واضحاً عن طريقِ تفضيله الكلمات على الصور، وتفضيل الشعارات ذات الكلمات الأكثر (ثلاثة وأكثر) على الجمل الأقل كلاماً، ممَّا يعني بأنَّ الجمهور يتفاعل مع الأشياء الواضحة، ويعطي نتيجة بأنَّ نسبة من المرشحين الجدد لا يتفاعل الجمهور معهم؛ الا إذا بذلوا جهدا كبيرا في وصول برامجهم للناس، لأن الجمهور يبحث عن الواضحات ويخشى التعامل مع الأشياء التي لا يعرفها. 
تم سؤال الجمهور عن غطاء الرأس لمعرفة توجهات الجمهور نحو الجهة التي يختارها وهو نوع من الأسئلة الثقافية لمعرفة توجهات الجمهور من دون الوقوع في حرج سؤال عن الجهة التي يتفاعل معها، فجاءت النتائج بالاختيار الأعلى مع (خوذة المصنع)، وهو ما يتناسب مع اختيارات الاختصاص اذ اختار الجمهور المهندس كاختصاص مرغوب، ولحاجاته الاقتصادية التي يبحث عنها.
مما يدل على سيطرة فكرة الانجاح والعمل على رغبات الجمهور. 
وبذلك وجدنا في تحليل إجابات الجمهور ان هناك اتفاقا يستدعي الانتباه، هو انه على الرغم من الإحباط الكبير الذي كان موجودا لدى المواطنين تجاه الوضع العام، وربما أثر في وقت ما على نسبة مشاركتهم، الا انهم قادرون على وضع صفات للمرشح المرغوب، بل ان كانت لهم إجابات على أكثر الأسئلة تفصيلا من ناحية التوجهات العامة والقضايا المهمة والاختصاص الأكثر رغبة، وكانت تلك الإجابات وسيلة مهمة للوقوف على الجهات الأكثر قدرة على التواصل مع الجمهور.